يُحكى أنّه كان هناك بيتٌ كبيرٌ شبه مستقِرٍ يحاوطه الكلاب اللولو اللطيفة ذات الأسنان الرقيقة، يَسكُنُهُ أناسًا كثيرون طيبون صابرون مُتَحَامِلون الصعاب و المشقات، متناغمين و يحبون بعضهما البعض، حياتهم ليست بالمنعمة، لا يمتلكون الكثير من المال و الرفاهيات و الكماليات، لا يأتيهم طيف الترف إلا من شاء الله أن يُؤتيَه منه، يمشون و يقعدون و ينامون و يعيشون و يأكلون و يشربون و يعملون و يدرسون ويأملون برِضاء و هناء و راحة و هدوء في كنف الإستقرار المادي مما يوفر لهم (فتات الحياة كريم) داخل المنزل حقًا من موارد و لوازم معيشية تسندهم و يجدون بعضًا من قوت يومهم منها، كِبارُ المنزل كانوا يتمتعون ببعضٍ من الراحةِ كما يتمتّعُ أُناسًا مثلهم كثُر خارج حدودِ منزلهم الكبير؛ الذين يأخذون حقوقهم المشروعة و المحفوظة الكاملة من أرباب المنزل بعلمٍ منهم أنها حقوقًا لهم و لا يعتقدون بأنها من المنة أو الصدقة أو الرفاهيات التي هي عندهم بالفعل و متواجدة بكثرة في بيتهم الخاص ذو الطراز الخشبي الأوروبي التقليدي، كما أيضًا يعلمون تمام العلم بأنهم جزءًا لا يتجزأ من المنزل وأنّ لهم الحق في التمتع بيتهم و بغذائهم و الحرية في التجول داخل المنزل و إدارته كما يريدون لِمَا يرونها من إدارة حكيمة رشيدة تحفظ لهم بيتهم من السرقة و النهب والجوع و العطش و الأمان عوضًا بأنها ستعود على بيتهم بالنفع و الخير و ستزيد من محاصيل الحبوب و الثمرات في أراضيهم و شجراتهم الموجودة بجانب المنزل، وأما الشباب الصغير المتواجد داخل المنزل فكان مفعم شيئًا ما قليلاً بالحيوية والنشاط و بعضًا من الأمل الذي كان يستمده من الرعاية الجيدة التي كانت تقدمها أباطر المنزل لهم، كان لديه أملٌ حقا في أن يصلح من هذا المنزل أكثر و يشارك بكل حب في تنميته و تكبيره و تقويته حتى و إن كان الأمل قليل و غذاءه الذي يجعله واقفًا على قدميه قليل و يأتيه بصعوبة فا نافذة الأمل و طموح و التطلع و التطلُع و العمل و آمل النجاح لم تزل مفتوحة لهم و فيهم، مقارنةٌ بينهم و بين شباب المنزل ذو الطراز الخشبي الذين يجدون كل مساعي و مشجعات النجاح داخل منزلهم الذي يحثهم و يدعمهم على العمل بحب و راحة معنوية و جسدية بالغة داخل المنزل بشكلٍ كبير برفقة زوجاتهم وذواتهم براحة مع ضِعف درجات الشباب الخلوق أصحاب (منزل الطراز الثالث) الذين كانوا يحاولون ويأملون و يواصلون على إعمار أركان منزلهم و تنمية و رعاية أنفسهم داخله رغم ضعف مكونات بيتهم، والصعوبات التي كانت تواجههم من نقصان أشياءَ كثيرةٍ بِداخلهِ و إحتدامهم مع حرارة الطقس المتوهجة، و كانت رؤوسهم في بعض الأحيان تشتعل أكثر و أقوى من درجة حرارة الطقس أحيانًا من سيكوباتية و سُلطة النظام المتوغل داخل المنزل كما كان يفجعهم قلب الطاولة عليهم و العملية التى كان يفعلها أباطرة المنزل من قوانين يمارسونها عليهم و من أولها "قانون الانعكاس" بعد ما أن يختل و يخفق و يتلف شيئا ما في المنزل كان يدفعون ثمنها أيضًا.

كان الوضع على ما يرام نسبيًا منذ ثلاثة - خمسة أعوام، حتى اشتعل فتيل اللعنة.

سقطت أسنان الكلاب اللولو الرقيقة، و صارت مكانهما أنيابًا شرسة و لم تكتفي من قبل بانتهاك أنيابها بغرسها في قلوب و صدور سكان المنزل و حرق و قهر قلوب أمهاتهم وأسرهم عليهم أو تكالبهم و أخذهم الحكم بالغلبة و الدنائة وإدارة المزرعة الخاصة بالمنزل و قطف و أكل ثمارها فحسب. غرست مرة أخرى أنيابها بفظاظة و شكاسة في البطون آلتي جوعتها و قتلتها بأسنانها جوعًا هذه المرة و صارت فمها تسيل من دماء البطون بغزارة و ثم اقتحمت ربوع المنزل و أكلت غذاء ما في المنزل و أفسدت ثلث أثاث غرف المنزل و باعت للجيران جزءًا من المنزل و سرقت و هلكت أغلب سكان المنزل و هدمت الحكمة والقوة و الثقافة و الصلاح من حكم المنزل و ترأست حكم المنزل بالحديد و النار و الأنياب و جنودهم من باقي الكلاب و بالحاشية المتسخة التابعة لها و أصبح المنزل في دائرة من من الجوع والعطش و من فقدانا للأمل بعد أن أغلقوا نافذة الأمل من المنزل و من بعدها توالت اصوات و خطابات تعيسة و ظلامية لا تأتي سوى من كلابا يليها قرارات كلابية بلهاء "احنا فقرا اوى أسمع الكلام مش مطلوب تعيشوا"

"أنا مش لاقي آكل مش عارف أعلم مش عارف أعالج مش عارف أسكن مش عارف أشغل"

"انتوا ليه مش عايزين تدفعوا تكلفة اللي عملتوه في 2011 و2013"

وهذا ما حدث في مصر في الآونة الأخيرة.

أتذكر أنني شاهدت مقطعا على منصة يوتيوب منذ ثلاثة أعوام يتحدث عن إن الأسعار في مصر هي الأرخص في افريقيا من سلع حتى إلى وسائل مواصلات، و لم يلبث هذا الاستقرار بعد قرارات الكلاب الخرقاء و تحول الإستقرار إلى خراب/ غلاء/ فقر/ ضيق/ قهر....إلخ و تحولت الحياة المعيشة المستقرة إلى حياة يملؤها التوتر و القلق و المشاحنات و الفقر و زيادة الأسعار التي تزيد كل يوم و حالتها مثل الارتفاع و الانخفاض في عالم البورصة حالة تجعل عقل المواطن في مصر يكاد ينفجر من الجنون و الأوضاع التي تبدلت للاسوء بسرعة غريبة و استمرارية الغباء الإداري و انطفائه الداخلي عن توقف الغلاء الذي يعيشه بعد زيادة سعر الدولار و الذهب و السلع الغذائية والطبية و بعد رفع سعر الفائدة و ارتفاع معدلات التضخم النقدي و التعويم المنتظر للجنيه حديثي ليس إقتصاديا بحت و لكن رؤية شخصية وعرض تحليلي للآثار المدمرة بسبب الحالة الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد.

بين ليلة وضحاها تشوهت المعيشة و الحياة في مصر، لا أقصد أن الحياة في مصر كانت في أزهى فتراتها قبل ثلاثة أعوام و اكثر بتاتًا، و لكن نسلط الرؤية على ثقب الإستقرار الذي سُد و أُغلق، هذا السيناريو الآتي سيوضح حجم المعاناة: مواطن راتبه ألفان وخمسمائة جنيه، ذهب إلى بائع الدواجن ليشتري منه دجاجة وزنها كيلوغرام، سعرها خمسة وعشرون جنيه مع كيلو أرز سعره ثمانية جنيهات، نفس السيناريو باختلاف التاريخ و نفس الراتب، بعد غلاء أسعار السلع الغذائية: مواطن راتبه ألفان وخمسمائة جنيه، ذهب إلى بائع الدواجن ليشتري منه دجاجة وزنها كيلوغرام، سعرها مائة جنية مع كيلو أرز سعره ثلاثين جنيه... هل أدركت حجم المأساة؟

أصبح المواطن المصري يعيش في تعاسة بشكل يومي من هذا الغلاء المعيشي و إرتفاع الأسعار اليومي و ليس بالموسمي الذي تعتلي فيه الأسعار زيادة طفيفة بين الفترة والأخرى، يحمل همه و هم أسرته و هم طعامهم و شربهم و ملبسهم، أصبح محاطا بالهم و المسؤولية الفجة التي يحملها على عاتقه الذي يكاد أن يتمزق من ثقل التحمل و تجرع مرارة الأوضاع الحالية بعد أن فقد موازنة راتبه و ميزانية بيته.

هذا الغلاء الفادح سيتسبب في ترك آثار أبعاده المدمرة على عدة قيم نفسية و واجتماعية داخل المجتمع المصري بحالة سيئة للغاية و منها:

الأخلاق

إن أصبحت الحالة الاقتصادية في مصر على هذه الصورة و استمرت على وتيرة الزيادة دون حلٌ فوري سيتجه البعض من عامة الشعب الذين ستضيق عليهم حياتهم عليهم بما رحبت إلى السرقة و النهب المنظم و النشل و السطو وإنشاء عصابات و مليشيات بعدة صور وأشكال لسرقة من يمتلك بعض المال من بقايا الطبقة الوسطى إلى الأغنى و التوجه إلى سبل دنيئة لجني المال مثل بيع المخدرات و النصب و تجارة الأعضاء و التربح من خلال الوظائف و الخدمات بصور غير مشروعة وأخذ فرض النفوذ، كما سترتفع نسبة الأمية وحينما ترتفع نسبة الأمية فإن الجهل سيتمدد وينتشر و يتوسع مما سيؤدي إلى ظهور سلوكيات و ثقافات غريبة ناتجة عن (جهل) أرى حينما يتفشى غلاء الأسعار الذى سيتبعه تدني قيمة العملة و صعوبة العملية الشرائية للمواطنين و ظهور الفقر سيتجه فئة من الشعب لأيا من الطرق التي عرضتها، و أنتبهت لهذا الشيء حينما كثرت السرقات في الفترة الأخيرة داخل منطقتي، خلال أسبوعين فقط، الأسبوع الأول قام بعض الأشخاص بسرقة تلفزيون، و في خلال الأسبوع الثاني تم سرقة غطاء صرف صحي و الخوف من القادم في سرقة الجار للجار و في ازدياد أشكال السرقة بصور مرعبة، فإن الفقر الحاد إذا انتشر في مجتمع جاهل يصنع لصوصًا لأنه سيسبب ضغطاً و لن يقابل بالإيمان و الأخلاق الحميدة فإن نقيضها هو الذي سيكون تجاه الضغوطات فذاك سيصنع سلوك إجرامي و غير أخلاقي كما قال أفلاطون "الفقر مولد الثورات والجريمة" و قال أيضا العراب "أحمد خالد توفيق: "الأخلاق تتآكل فى الفقر كما يتآكل المعدن الذى يقطر فوقه الماء" و لا أقول إن هذه الأفكار ستكون مبدأ عام مجتمعي و ثقافي لدى الشعب المصري، و لكن سيتجه فئات لهم سمات و أخلاقيات وخصائص معينة إلى تعامل بهذه الأساليب، و ما خفي و لم يظهر و ما لم يبدأ كان أعظم و الله المستعان.

الغذاء

"أنقذوا مصر قبل أن تصبح الوجبة الغذائية الأساسية للمواطن المصري (اوراق الشجر)" قمت بكتابة هذه التويتة على حسابي بتويتر قبل أن يهجم على الشعب المصري أسهم التضخم القتالة و يفتك بالشعب مصر و يكدر صفو حياته. يعتبر الطعام في حياة الشعب المصري من قديم الزمان جزءًا من الحياة ويجعله يشعر بشيئًا من مذاق الحياة مع ازداحم أعباء الحياة. لِكلِّ الطبقات الاجتماعية وجبات غذائية تمثله، يأكل الغني الكافيار و السوشي و الواجبات الغنية بالفيتامينات والبروتينات و المعادن و الغنية ماليًا، و يأكل المقيم بالطبقة المتوسطة الطعام متوسط الجودة، متوسط السعر و البروتينان و الفيتامينات، و يأكل الفقير الأكل الرخيص ولا يهمه إن كان به فيتامين أو بروتين أو أي قيمة غذائية ما يهمه في الأمر سد جوعه و يأتي مذاقه في الترتيب التسلسلي له و في هذه الفترة العصيبة التي يشهدها الشعب المصري و في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار ينجو الفقير بأعجوبة حينما يتناول و يحصل هو و عائلته على وجبة الإفطار أو العشاء بدون أن ينهش الجوع بطونهم.

و الواجبات التي كان يذهب إليها المواطن المصري الخارج من الطبقة الوسطى و يأكلها بكل سهولة في الزمن الجميل الذي من عامين! الكشري/ الفول/ الطعمية، و مع هذه الفترة التي نعيشها بكل أسف ازدادت أسعار هذه الواجبات البسيطة و صعدت إلى درجة الأغنياء و أصبح الفقراء لا حول لهم و لا قوة أمام تلك الواجبات التي كانوا يأكلونها فيما مضى و لطف الله يحل عليهم وينجون برعايته، أولاً و بتبرعات أصحاب الخير ثانيًا، و لكن إذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه و زاد، أما سيهلك الفقراء، أو سيتحولون إلى شعلة نارية تحرق كل ما يقابلها و ستتحول مصر إلى صراع لا نهاية له بين الفقراء والاغنياء والفتنة ستثور بينهم.

الزواج:

حينما يكبر الشاب و ينضج يحلم بوظيفة جيدة و منزل و تكوين عائلة، ولكن كيف يآمل شباب البلاد بحقوقهم في هذا الصراع الاقتصادي و بزيادة أسعار الذهب (مع العلم أن الزواج في مصر يتم بعد إهداء العروس بقدرا من الذهب بما يسمى "الشبكة" و كيف يكون أسرة من زوجة و إبن بما فيهم هو، و راتبه لا يكفيه بمفرده دون أسرته!

الأمل:

و إن حاول أن ينظر و يترقب و ينتظر أي بصيص من الأمل فإنه يجد اليأس و الخيبات المتتابعة و المتوالية في ضعف الرواتب ورؤيته إلى تصفيات الشركات من بلده و تدهور حالة وطنه الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية و ضياع مكانتها بين الدول، وإن كان أدخر مبلغا ماليا قدره مثلا مائة ألف جنيه فقيمة مبلغه الان تدنت إلى خمسون ألف جنيه، مما يعود عليه من حزن كامن في أحشائه يطفئ له نور الامل من عيناه و ييأس من حياته التي أصبحت شبه حياة أختلت بسبب الغلاء الذي ورائه قرارات متهورة و خاطئة و إن لم يعمل على طرق بديلة تجلعه يتفادى و يتجنب الآثار الجانبية الغاشمة لهذه الفترة السوداء فإنه سيجد نفسه في نهاية المطاف جالسا داخل بيته المهترئ المظلم لا يعمل و لا يعلم ولا يتعلم فاقد الشغف و العمل، و يتغنى و يتمتم بأغنية المطرب المصري أحمد سعد من الفيلم المصري الشهير "دكان شحاتة"مش باقى مني غير شوية لحم فى كتافي، بلاش يتبعتروا فى البحر، ومش باقى منى غير شوية لحم فى كتافى" هذا المربع الكئيب و العشوائية الرعناء الذي دخلت مصر فيه لن تخرج مصر و شعبها منه إلا بأبنائها الذين سيخرجونها من قاع الفقر و العناء و من أيدي البطش والتنكيل إلى بر الازدهار و الأمان لها و لهم و إلا فلا تلومن إلى أنفسكم و لا تبكوا و تصرخوا على اللبن المسكوب يا شعب مصر.