بعيدا عن المناقشات التي قامت حول تحديد مفهوم كلمة (تقويم)، يمكن الإشارة إلى خضوع الصياغة الاصطلاحية لهذه المفردة لمزاحمة مفهوم آخر، يحمله مصطلح (تقييم). وفي هذه الحالة فإن النبش في دلالات هاتين المفردتين إجراءٌ أصيل، لا بديل عنه لمنح كل لفظة اصطلاحية منهما وعاءها المعنوي...
لا فرق بين التقويم والتقييم.. نهاية الجدل؟
هذا الموضوع يحيلني إلى سؤال ولو قد يكون بسيطاً بالنسبة لحضرتك الذي يبدو أنّ لديك إطلاع كبير على مسألة اللغويات واللسانيات والأمور المتعلّقة باللغة والأبجدية، السؤال هو إذا كنّا نستخدم كلمة مغلوطة لإيصال معنى صحيح؟ هل يجب أن نعدّل الكلمة أم أن نعدّل الفهم كلّه للكلمة، بمعنى مثلاً: الأصح لغوياً أن نقول: سبب رئيس لا سبب رئيسي - ولكن الكل ينطقها حالياً ويكتبها سبب رئيسي، صار هذا الغلط ضمن اللغة المحكية والمكتوبة، إذاً هنا هل يجب أن نظلّ مصرّين على تعديل الخطأ وإصلاحه كأشخاص مهتمّين باللغة أو أن نعدّل القاعدة بما يتوافق مع التطوّر الجديد للكلمة شعبياً في اللفظ والكتابة والاستخدام؟
هناك قواعد لا خلاف عليها، وخاصة بالأخطاء اللغوية الشائعة مثل المثال الذي ذكرته وغيره الكثير، وهنا التغيير أو تقبل الخطأ سينتج عنه تغيير بقواعد اللغة وهذا ليس صائبًا أبدا
لكن كلمة التقويم والتقييم، مختلفين بالمعنى، التقويم مصدر قوَّم أما التقييم فهي مصدر قيَّم وهما لغويين مختلفين واستخدامهما بالصياغة أيضا مختلفة.
وهنا التغيير أو تقبل الخطأ سينتج عنه تغيير بقواعد اللغة وهذا ليس صائبًا أبدا
إذا لم يتمّ تقبّل الخطأ برأيي سيحدث الشرخ الذي نعاني به عربياً بين لغتنا واستخدامها اليومي وسنضطّر لاستخدام كلمات تجنّبنا هذا الاستخدام ولو كان أجنبياً، برأيي اللغة العربية تحتاج إحياء معاصر كالحاصل قديماً مع الإنجليزية في جامعة أوكسفورد، أن نضع قاموساً جديداً يروّج لقدرته ويلغي ما سبقه، يراعي التطوّرات المعاصر ولا يضرّ بجوهر وعمق اللغة التي نحملها.
مداخل الحديث عن هذا الموضوع متعددة غير أن الأنسب منها، في تقديري، هما مدخلا الهوية، والتطوير .. المدخل الأول يلح علينا للحفاظ على الهوية المعنوية الأولى لألفاظ العربية، حفاظا على أصالتها ونصوصها وعلى رأسها القرآن الكريم وأحاديث النبوة، وعليه فإن أي تغيير في الطاقة المعنوية للمفردة العربية سيؤدي إلى سوء الفهم فيما يتصل بهذين المرجعين الخاصيين.
المدخل الثاني الذي يخص التطوير .. يفسح أمامنا إمكانية تطوير اللغة العربية، بوصفها كائنا حيا يسري عليه ما يسري على الكائنات الحية من تطور وتبدل مع الزمن.. غير أن هذا التطوير ينبغي أن يخضع لمنطق خاص ... ولذلك فتطوير اللغة العربية ممكن ووارد لكن باستخدام آليات للتطوير منها التوليد والاشتقاق والقياس والاتباع والاقتراض وغيرها من آليات التطوير اللغوي لدينا، ... فقط فيما يخص اللهجات والعاميات العربية لا مجال للحديث عن ضبطها وتقنين استعمالها وتطويرها لأنها بطبيعتها لا تخضع لمنطق ولا لآليات تطوير بحكم انقسامها على ذاتها وحرية متحديثها في الكلام بها،.. تحياتي وتقديري
وعليه فإن أي تغيير في الطاقة المعنوية للمفردة العربية سيؤدي إلى سوء الفهم
لكن ألا يوجد حالياً أخطاء كثيرة في لغتنا يصححها القرآن بوصفه المرجع الأوّل قبل اللغة حتى ونحن نصرّ على استخدامها الخاطئ وبطاقتها السيئة؟ من مثل كلمة "كفر" مثلاً، حيث أنّ كفر في القرأن أي أخفى وكتم الحقّ الذي يعرف، وهي معادل تماماً لكلمة COVER في اللغة الإنكليزية بمعنى أيضاً غطى وأخفى، على أننا كعرب نستخدمها بمعنى آخر تماماً، كل فريق يستخدمها بالطريقة التي تحلو له، هذا مثال مثلاً.
إذاً ما الحل لإنهاء هذا الخلاف في اللغة برمّته برأي حضرتك؟ كيف السبيل إلى استخدام لغة في ما نحكي مشابهة لما نكتب ونفهم؟
هناك فرق بين الواقع اللغوي الذي هو خليط من لغات ولهجات ونوعيات لغوية لم يسلم من معيار الصحة والخطأ، وبين مستوى اللغة في مظانها ومصادرها ولسانها الزاهر في الفترة العربية القديمة ... وعلى هذا فالواقع اللغوي ليس مرجعا للحكم بل هو مجال للصحيح والعليل في لغتنا بالاستناد إلى مستوى اللغة في مظانها ومصادرها ... تحياتي وتقديري
كنت من عامين أو أكثر أجادل أحد أصدقائي وكنا نعمل على ملف للترجمة. لا أذكر الآن ما هو المصلطح أو الترجمة التي اختلفنا حولها. أوردت أنا ما أراه صحيحاً لغوياً. فتعلل وقال لي: أعلم ما تقول ولكن كما يقولون: خطأ شائع خير من صحيح مهجور؟!! أصابني في مقتل!!! أنا لا أؤمن بتلك النظرية أو ذلك الهراء وإن كنت اعلم أن اللغة كائن حي يتطور ولكن هل ذلك تطور؟!! أحسبه تردي من هو إلى هوة أعمق. فنحن كمترجمين أو صانعي محتوى علينا أن نعلو بأذواق الناس لا أنا نجاريهم في الخطأ و نهبط بهم إلى درك أسفل. لا يصح أن نشايع الخطأ حتى وإن كان شائعاً كما لا يصح أن يجري مبصر العينين خلف ألف أعمى.
ولكن هل ذلك تطور؟!! أحسبه تردي من هو إلى هوة أعمق.
بالطبع ولكنّك هنا تقع بين أمرين أسوء من بعض، طبقة المثقفين واللغويين الذين يصرّون على استبقاء اللغة كما هي متجنّبين أي حالة تطوّرية بسبب إيمانهم بكمال اللغة العربية وسموّها وعندك أيضاً قسم من الناس ليس لديهم أي احترام للقواعد الأصلية إلا بالقدر الذي تتوافق فيه مع المحكية، فالأمر هنا يتقلّب بين شخص مصرّ على غلط وشخص يرفض أن يصحح ويتطوّر، هنا تكمن مصيبتنا، بالإنكليزي كانوا واعين لهذا الأمر فصححوا قاموسهم مباشرةً، أتحدّث عن أوكسفورد وما زالوا يطوّرونه شعبياً ومكتوباً.
كما قال السيد @abd_laajane فإن تطوير اللغة عندنا في لغتنا لها قواعد وضوابط وقد ذكرها فيما كتب. فليس كل تصحيف يرد على ألسنة العامة لكلمة فصيحة لا تتبع طرق الإشتقاق و التوليد و منطق اللغة ذاتها يعد تطويراً. لأن هناك ضوابط لتطوير اللغة. فالمثقفين فيما أعتقد يرفضون ابتذال اللغة الذي ياخذ به العامة. وأنا أتفق معك فيما يخص اللغة الإنجليزية ورصد كل جديد يطرأ للكلمات وتقييدها بمعانيها وسياقاتها وبذلك نمى المعجم عندهم بقوة وذلك لان طبيعة اللغة عندنا تختلف عن طبيعة اللغة عندهم ونحن محكومون في ذلك بأصول قد وضعها الأقدمون وهي معمول بها في الفصحى.
الحديث عن اللغة تواصلا وتطويرا لذخيرتها يجعلنا نقع بين مرجعين .. الأول مرجع الواقع اللغوي الطارئ على الهوية اللغوية .. ومرجع ما عليه اللغة في مظانها و"صفائها" وهويتها التاريخية .. ولسنا هنا لنختار هل نكون ممن ينهل من المرجع الأول أو الثاني، أو المزج بين المرجعين لنكون أمام خيار ثالث. المسألة أن نكون جميعا في صف الحفاظ على الذحيرة اللغوية العربية، وهذا يعني ما يعني لشخصيتنا ووجودنا وأمننا اللغوي والاجتماعي، وفي الوقت نفسه أن نكون جميعا مع تطويرها التطوير العلمي بما يناسب الزمان وملابساته ومستجداته العلمية والتقنية والفنية ... وهذا يعني ما يعني لوعينا الذي ينبغي أن ينسجم مع طبيعة الحياة التي تجنح دوما للتطور والتبدل والتغيير ...
التعليقات