مقالة - التعليـم أم التعتيـم ؟! (سأبدأ بسؤال سخيف يعلم إجابته الجميع : لماذا ...)
من اسوأ ما قرأت من المقالات دقة في التاريخ العربي القديم، وان احتوى المقال على الكثير من المعلومات المفيدة وآراء جيدة (واشدد على الآراء) للكاتب من وجهة نظري، فقد تعامل مع الوقائع (والاخطاء) والآراء وكأنها وقائع. وهذا ان لم يطعن في المحتوى ككل، فدليل على ضعف الباحث في التعامل مع موضوع بحجم التعليم في الوطن العربي عبر التاريخ. من خلال مطالعة سريعة استطعت الكشف عن عدة مبالغات واخطاء جسيمة في السرد التاريخي للمقال.
اشارك البعض منها هنا:
"إلى أن ظهر الاسلام فى القرن السابع الميلادى، ترسخت الهوية العربية بشكل كامل بعد نزول القرآن الكريم على سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” باللغه العربية والذى كان بمثابة البداية الحقيقية للغة العربية السليمة."
غير دقيق: الدلائل والقرائن تشير الى ان اللغة العربية نضجت في الفترة التي سبقت الاسلام (عصر الجاهلية) هذا من خلال الاثار التي وجدت وفيها اللغة العربية ناضجة بمملكة امرؤ القيس
" الحضــارة العــربية"
اذا كان الغرض من المقال التركيز على العرب في الحضارة الاسلامية فقد اخطأ الكاتب في عنوان الحقبة بتسميتها الحضارة بالعربية، اما اذا كان الغرض حصر الحضارة العربية الاسلامية بالعرب فقد اخطأ بالمضمون.
"ظهر فى هذه الفترة مجموعة من أنبغ العلماء فى جميع المجالات العلمية الذين صدّروا علمهم ومعرفتهم لجميع أنحاء العالم ولجميع الحضارات مثل ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع والمؤرخ المغربى ابن بطوطه وابن سينا وغيرهم."
هؤلاء لم يكن كلهم من العرب، وانما كانوا جزء نشأ في كنف الدولة العربية الاسلامية.
" كان الطفل فى العصر الاسلامى يبدأ بتعلم القرآن الكريم واللغة العربية منذ نعومة أظافره إلى أن يقوم بحفظ القرآن بالكامل وتعلم جميع مبادئ العلوم والحساب والمبادئ والقيم الاخلاقية التى نفتقدها حاليا، فيخرج شابا صالحا يتحلى بجميع المبادئ والقيم الأخلاقيه وعلى دراية كاملة بجميع العلوم وبقدرات هائلة."
اين الدليل على هذا كلام؟ ما المصدر؟ التاريخ يثبت ان الطفل المقتدر كان يبدأ بتعلم القران واللغة العربية، ولكنها لم تكن واجبة على افراد المجتمع بالكلية وانما كان التعليم مما كان متاحاً للجميع ولكنه محصور بالخاصة في اغلب الاحيان، ولم يكن بمقدور الفقراء التعلم الا بحالات استثنائية. ولعدم وجود انظمة تعليم واسعة النطاق كالانظمة المدرسية الموجودة في يومنا هذا كان التعليم ينحصر في مراكز المدن ذات النفوذ والمال السياسي، ويكاد لا يرى في القرى والارياف والامصار. ومن اجل ذلك كان المسلمون من طلاب العلم يهاجرون الى المدن الكبرى لتلقي العلوم في الحساب والفلك وغيرها.
اما ما كان يدرس في المساجد والكتاتيب فيطابق ما ذكره الباحث.
الى هنا توقفت لعدم جدية المضمون برأيي من الناحية التأريخية، وتوسعت في المضمون التعليمي.
"بعد ازدهار التعليم والثقافة فى الدول الاوروبية، بدأت مهمة الوطن العربى فى نشر التعليم والثقافة بالتلاشى تدريجيا"
لا يوجد ما يدعم العلاقة او التلاحق الزمني المتتابع لهذين الظاهرتين.
فقد بدأ التعليم باخذ اهتمام اقل في الدول العربية قبل الازدهار الاوروبي بفترة ليست بوجيزة بزيادة الاقتتال والتناحر في الدولة العربية الاسلامية قبل النهضة الاوروبية وان كان هناك النوابغ الذين ظلوا ينهلون من نبع العلوم التي ترجمها واسهم في تطويرها المسلمون
"لعب احتلال الوطن العربى دورا كبيرا فى طمس الهوية التعليمية والثقافيه للعرب وأدى إلى تأخر العرب تأخرا شديدا فى جميع المجالات فى الوقت الذى كانت تتقدم به الدول الغربية تقدما هائلا وسريعا."
اتفق تماماً مع هذا الرأي، ولكن كان الاجدر الاشارة اليه في السابق لظهوره في عصر الدولة العثمانية كذلك.
"التعليم الأساسى فى الدول الاوروبية وبعض الدول المتقدمه مثل اليابان والصين وغيرها مجانى وإلزامى من سن ثلاثة سنوات إلى 18 سنة، تبدأ المدارس الحكوميه بتبنى الطفل من عمر ثلاثة سنوات وتعليمه وتأهيله حتى سن 18 سنة وهو سن الانتقال لمرحلة التعليم العالى أو الجامعى."
هنا احترم جداً رأي الكاتب بأول وأهم ما قارن به التعليم في العالم العربي مع رديفه الغربي، وهو الزامية التعليم والسن الذي يبدأ التعليم عند العالم الجديد. يرجى العودة الى التعليق الاخير في السرد التاريخي للمقال.
"بعد انتهاء فترة التعليم الأساسى يصبح الطالب مهيئا نفسيا واجتماعيا وتعليميا على دخول المرحلة الأهم بحياته وهى مرحلة التعليم الجامعى، بها يستطيع الطالب تحديد مستقبله واختيار مواد التعليم التى تناسب رغباته."
لا اتفق مع الكاتب ها هنا.
فما الغاية من وجود تعليم جامعي؟ وما الذي يحتاجه الطالب "ليتهيأ" له في الدراسة الجامعية؟
فاذا اخذنا بعين الاعتبار ان الطالب سيبدأ مرحلة الدراسة لأجل البحث العلمي، وليس التطبيقي، فقد يستطيع طالب علم الالتحاق بالمؤسسات البحثية الاكاديمية في سن اقل اذا استوفي الاسس العلمية لاستمراره في مجال البحث العلمي.
اما اذا اكتفى الطالب بما لديه من علم ليبدأ بالتطبيق والابداع فقد لا يتابع في الدراسة الجامعية.
استنتاج المقال دليل ان الكاتب ليس جاداً بحل المشكلة، أو تشخيصها بشكل دقيق من خلال استخدام عبارات مسيئة واسلوب تهكمي ساخر. يرجى الاطلاع على بعض المساهمات الاخرى في نفس الموضوع للاستفادة.
الاستنتاج: المقال بنّاء ومحاولة غير جادة لتشخيص مشكلة حقيقية، ولكني اختلف مع الكاتب في كيفية التعامل معها وحلها.
مشكلة للتعليم والتربية موجودة في مجتمعاتنا لعدم كفاءة اصحاب القرار بشكل خاص، ولعدم لعب المجتمع دوراً في القرارات التي تهمه. وحل هذه المشكلة يكمن في تغييرات حقيقية مطلوبة على مستوى الانظمة السياسية وحاجة المجتمع لمنظمات مجتمع مدني فاعلة على الصعيد الوطني لتحسين وضع التعليم في العالم العربي.
الحقوق تؤخذ، ولا تعطى
الحلول الترقيعية للأنظمة الفاسدة سواء التعليم أو الاقتصاد أو الحكم أو القضاء تضر أكثر مما تنفع ، كإصلاح خزان ماء معدنه مهتريء ، كلما حاولت لحام الثقوب اتسعت أكثر ، ولهذا النظام الفاسد لا يكون إصلاحه إلا بتغييره جذرياً.
التعليقات