مشاكل الذين يريدون الدخول في مجال التصميم الجرافيكي كثيرة، أما التي أرى أهميتها وتشكل قدرًا كبيرًا من التيه الذي يعيشه المتدرب الجديد هو التدريب المعكوس الذي يضخ بكميات كبيرة كمحتوى للكثير من المهتمين في مجال التصميم، فالجانب العملي من المجال يطغى أكثر من اللازم ضمن المحتوى المرئي المقدم للناس، حتى أكثر من الجانب النظري الذي لا يقل أهمية عن الجانب التطبيقي.

لا يطال هذ النقد الجماعات التي تقدم محتواها التعليمي بهذه الطريقة فليس الجميع يقدمها بنوايا سيئة، لكن بدلًا من تقديم محتوى يوفر الوقت على المبتدئ يقدمون محتوى يجعل من هذا المتدرب مؤهلًا للدخول بسوق العمل لكن بطريقة لا تتجاوز تعلم تكنيكات وأدوات بدائية في المجال. ويصبح معتادًا على الأدوات والأفكار بطريقة الحفظ لا الإبداع الأصيل للأفكار. فأنت بعد هكذا دورات ستكون قادرًا على تصميم منشور منصات تواصل اجتماعي لكن يندر ما أن تعرف أو يقال لك لماذا وضعت هذا الشكل هنا وبهذه الطريقة ولماذا استخدمت هذه الأداة دونًا عن غيرها؟!

فيصير الإبداع الذي يحاول المصمم المتدرب إخراجه هو أن يخرجَ من مساحة التنفيذ دون فهم إلى مرحلة التنفيذ بطرق أخرى تعطيه شعورًا بتملّك الصنعة إن صح التعبير. صحيح أن الممارسة المتكررة هي من ترسخ استخدام القواعد والأسس الخاصة بالتصميم الجرافيكي لكن هذه الممارسة لن تعطي المصمم القدرة على البقاء كثيرًا في سوق العمل إن كان شخصًا يتعامل ببراءة مع المجال وليس باحترافية.

بمعنى آخر نحن نفتقد مهارات التعليم التي تعطي للمتدرب الرغبة بأن يتقن عمله ويخرجه بأتم الأشكال، أنا مثلًا وقعت في تجربة جعلتني أتعامل مع برنامج الفوتوشوب بمستوى متطور أكثر من مستواي القديم. لكني متطور ضمن المستوى وطريقة التفكير التي أعطاني إياها المدرب! فلم أتعلم كيف أخرج الفكرة ثم أرسم تصور عام لطريقة تصميمها ثم أجمع المواد وأعمل مسودة وأختار الألوان بناءً على أسس ونظريات وأنتهي بالتنفيذ. لا تعلمت التنفيذ فورًا بعد أن وفر عليّ المدرب الأدوات والفرش والمصادر والصور التي سأعمل عليها. وهو علمني كيف أخرج الصورة كما يريد هو لا كما أفهم وأفكر!

بخلاف طريقة التعلم التي تبدأ بدورات مكثفة حول مدارس التصميم وتاريخه ونشأتها وأهم أعلامه وأعمالهم ونقد أعمالهم والحديث عنها، أوالحديث عن الأشكال وطبيعتها الهندسية وأهميتها في عالم التصميم. أو الحديث عن ارتباط العلوم الأخرى بالتصميم وغيرها من الدورس النظرية المفيدة التي تخلق مبدعًا لا منفذًا، فهل يمكن أن نعكس هذا المحتوى وأن نعيد الاعتبار للأسس النظرية للتصميم الجرافيكي؟