لا شك عزيزي القاريء بأن زمن الإنترنت قد ساهم ببراعة في الوصول للمعلومة ومعرفة الحدث في وقت قياسي وبصورة اسهل بكثير من اي وقت مضى , وهذا احد جوانبه اللامعة والبراقة والمٌستغلة بشكل إيجابي من معظم المستخدمين ومع ذلك لا يمكن ان ننكر بانه عزَز الاختلاف بين الكثير من الأشخاص ويظهر هذا جلياً في معظم المجتمعات فإذا حدث نوع من انواع الإختلاف في وجهات النظر بين شخصين تجاه تفسير حدث معين سياسي او فني او .... إلخ , سيجد كل طرف مهنما ما يؤيد وجهة نظره بصورة مُفصّلة مرتبة منظمة بل ومفعمة بالأدلة والبراهين بالرغم كما ذكرنا بان كل وجهة نظر كطرفي مقص لا يتلاقى كل منهما الا بصدام ! وحتى لا يتعمق اكثر هذا المقال في التحليل النفسي لدراسة تأثير التكنولوجيا على المخ البشري دعونا ننتقل للجلوس على كرسي الحاكم ( الراعي ) لكن على كرسي حكم بعد فترة عاصفة من عدم الإستقرار !

نعلم جميعا بأن كرسي الحكم له زهوته وسلطانه ونفوذه مما يؤثر على اي شخص يختاره القدر لكي يكون هو الحاكم , ويتعرض للصادقين الحريصين على المصلحة العامة للبلاد والتوازن بين جميع فئاته واقرار القانون على الجميع بلا تمييز , كما يتعرض ايضا للمنافقين اصحاب المصالح الخاصة الساعين للحفاظ على مقدراتهم وصلاحيتهم ونفوذهم بدون اي اعتبارات اخلاقية و مراعة احوال الرعية , قد نقول بمنتهى البساطة بان هذا الامر يعود الى شخصية الحاكم واذا كان عادلا وصالحا ونريها فسيضرب بيد من حديد على المنافين ويقوي من مكانة الصادقين ويأخد مشورتهم في الامور التى تخص البلاد ومصالحه , لكن هذا أمراً ليس سهلاً على الإطلاق لعدة اعتبارات سكون في مقدماتها بالطبع نفوذ وتغلل هؤلاء المنافقين في الكثير من المناصب الهامة والحساسة ويدهم العليا على بعض المصالح الإسترتيجية والحيوية والتى من شأنها ان تتسبب في اضطرابات عالية الصدى اذا ما تأثرت , لكن من هنا يترأي للحاكم عدة اختيارات , واذا ذكرنا تعدد الاختيارات فاعلم بانه مهما كان اختياره فسيحدث الإختلاف بين جموع الناس حول هذا القرار ولانه بالاساس ليس هنالك سياسة موضوعية تماماً !

فلا تعتقد بأن محمد علي باشا عندما اتخذ قراره بالتخلص من فلول المماليك في مذبحة لقلعة الشهيرة كان اول ما رأه مناسبا للتعامل معهم بالعكس قد جاء هذا القرار بعد محاولات كثيرة للعمل على إنخراطهم في ظل حكمه لإتقاء شرورهم وبعد ان شعر بتلاعب ومماطلات المماليك وسعيهم لترتيب اوراقهم واستعادة توازنهم للانقلاب بجانب الضعوضات الأوربية لاسيما البريطانية , نبش في عقله و اتخد قرار المذبحة عن طريق دعوتهم على حفل كبير داخل القلعة بمناسبة خروج قوات يرأسها ابنه طوسون الى الحجاز ! والذي لم يمر مرور الكرام بل أحدث خلاف مدوي في قلعة الحكم أنذاك , فقد خالفه أقرب مستشاريه و أول من نادوا باسمه ليكون حاكما على مصر بعد معارك طاحنة مع قوات المماليك في وقت كان رافضاً للسلطة !

ولسنا هنا لتقييم ما إذا كان هذا صواب ام خطأ , ولكن لنفهم ونتبين من مثل هذه المواقف بأن الاجماع على قرار حاسم لأي حاكم هو امر في منتهى الصعوبة خصوصا حينما يتعلق الامر بتثبيت كرسي الحكم بعد مرحلة شهدت اندلاع نيران في البلاد وحتى لا يتحول الامر الى مشهد عبثي يدعوا لاعتصار القلوب حزناً وآلماً ونرى كل بضع شهور والي او حاكم او رئيس جديد وكأننا في مشهد من حلقة مسلسل مكرر ومعاد لن يزيد البلاد الا هماً وكساداً وتردي مخيف في الاحوالة الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية .

خلاصة الموضوع بان السياسة وان كانت فن التعامل مع الفئات العديدة داخل المجتمع وخارجه لكنها تبقى دائما محل نقد وقابلة للتقييم بل ومتأرجحة في معظم الاوقات بين رأيين او تأويلين البعض يرى السياسة كفاح وصراع من اجل الحفاظ على استقرارها والحفاظ على هيبتها وقوتها , والبعض الاخر يرى بان السياسة جهد يبذل في سبيل اقرار الامن والعدالة فالسلطة تؤمن المصالح العامة وتحميها من ضغط اصحاب النفوذ والمصالح , ومن هنا تبدأ رحلة الحاكم في كيفية الوصول الى قرار والى اي من الاختياريين سينحاز بصورة اكبر وليس بالضروري تماما !

السياسة هي وسيلة لتحقيق تكامل بين جميع افراد المجتمع ولكن لن تخلق مدينة أرسطو العادلة كما تتمنى الشعوب !

وهذه هي صعوبة الجلوس على كرسي الوالي !