لا بد اليوم أن هناك سبب وجيه ومقنع قد جعل اي مستخدم جديد للانترنت، يضع نصب عينيه شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة قوية لتحقيق ما يصبو اليه في عالم الانترنت ككل مهما كان وكيفما كان. ولا بد أيضا أن هناك علاقة حميمة بين هذه الشبكات الاجتماعية بما تقدمه من وسائل عملية وفعالة في " نقل المعلومة " وبين متطلبات المستخدم المستجدة في عالم الانترنت.
نعم فتخمين ذاك السبب أو افتراض هذه العلاقة هو نتاج طفرة ملحوظة واهتمام واسع، يُعد سابقة في عالم الانترنت، بنمط معين من المواقع على حساب انماط أخرى بالرغم من اختلاف مشارب ومآرب مستخدمي الشبكة العنكبونية.
لكن ليس لمعرفة السبب هذا أو العلاقة تلك ناقةً أو جمل في موضوع بحثنا هذا.
بل الاشكالية الحقة هي ماهية العلاقة بين "التدوين الالكتروني" من جهة وبين شبكات التواصل من جهة أخرى:
هل هي معركة كسر عظم أو بتعبير أصح، هل هي حرب كاسحة وتوسعية تخوضها تلك الاخيرة على عالم الانترنت بشكل عام وعلى التدوين بشكل خاص, أم انها محض علاقة ايجابية يكمّل فيها ومن خلالها كل طرف الآخر؟
يقول أحد المدوّنين عن هذه المسألة:
عن نفسي أنا أستعمل الإثنين الفيس بوك و المدونات لا لسبب إلا لأن المدونة تمكنني من عرض المواضيع التي أهتم بها بشكل أكثر عملية أما فيس بوك فألجأ إليه للتواصل و الترويج لكتاباتي في المدونة و الإستفادة من النقاشات على اختلاف أنواعها نظرا لوجود عدد كبير من المشتركين يتفوقون في الغالب على جمهور المدونات من حيث المستوى.هذا بالإضافة لسرعة الخدمة التي يتميز بها فيس بوك و مزاياه الأخرى التي تغري المستعمل و تدفعه للتشبث به.
إن هكذا اجابة قد تجعل من هكذا علاقة وللوهلة الاولى علاقة ً مميزة, رائعٌ لونها وباهرٌ رونقها! ولكن مع شيء من التأمل قد نلاحظ ونجد ان هناك أثار جانبية معينة لا يقل مقدار خطورتها عن مقدار نجاح ما قد حققته علاقة الاخوة بين التدوين وشبكات التواصل.
لا اتحدث عن استخدام الفيسبوك أو التويتر كأدوات ترويجية ودعائية لأن هذا الأمر لا يقتصر أصلاً عليها، ولا يتعدى كونه مجرد استفادة من زوار كثر على اختلاف توجهاتهم واهتماماتهم ومستوياتهم كما يظهر في الاجابة اعلاه.
انما علينا النظر الى انخراط التدوين بشكل عميق في شبكات التواصل ليصبح جزءا منها، وبالتالي، تنطبق عليه ما ينطبق عليها فيتأثر بما تتأثر ويتوجه كما تتوجه!
فمن المعلوم مثلاً، أن عامل نجاح شبكات التواصل كان مرتبطا بخدمة "التشييك الاجتماعي" وسرعة وسهولة ومرونة الاستخدام في عملية نقل المعلومة. ولكن هذه الخدمات والعوامل لن يكون بعضها بمعزل عن التدوين ولن يكون بعضها بمعزل عن الاضرار به وبميّزاته.
فالحاجة على سبيل المثال الى السرعة في تلقي المعلومة لدى مرتادي مواقع التواصل سيدفع بالمُدوّن نحو كثير من الاختصار ما قد يفقد التدوينة صفتها، وقليل من الحس الادبي واللغوي ما قد يفقد التدوينة مذاقها ونكهتها الادبية.
من ناحية اخرى، اقتصار مواقع التواصل على شكل معين في اعتماد النصوص والعناوين مراعاةً لمبدأ خفة ومرونة الموقع سيحطم أي ميول هيكلية لدى المدوّن في تجميل وإنارة "مبنى التدوينة" فضلا عن معناها. هذا الامر يهتم به كل كاتب في الوقت الذي تتجاهله كليا مواقع التواصل.
أضف إلى ذلك اختلاط التدوين بغيره من من انماط التواصل ونقل المعلومة, وذوبانه فيها الى حد كبير.
فمواقع التواصل اصبحت إجمالاً مكاناً لكل شيء سواء للتدوين او لغيره من محطات الدردشة والنقاشات والاخبار وتحليلاتها. وهذا ما سيفقد التدوين خصوصيته ورونقه بشكل كبير فضلاً عن غرق الكاتب في متاهات يصنعها صخب تلك الموقع ليكون كمن يستوحي الافكار وسط مظاهرة عارمة.
عداك عن سرعة غياب التدوينة و صعوبة فهرستها وامكانية فقدانها على اعتبار انها نُشرت في موقع تواصل وليس في دار نشر!
اسباب كثيرة ستجعل حقاً من التدوين بكل ما يملك من ميزات"يذوب" تدريجيا في شبكات التواصل الاجتماعي وربما يقضي على المدوّن كمساهم حصري في "البحث عن المعلومة بشكل مفصل ونقلها بطريقة انيقة وجذابة".
لا اظن ان الموضوع فيه شيء من التهويل او التنظير او المبالغة بل هو موقف محتد ومستاء من توجه المدونين بما يحملون من رسالة وخصائص كتابية الى مواقع أنشئت أول ما أنشئت من أجل أن تعرف ماذا يأكل ومتى سينام الاصدقاء!..
انا لا اقلل من اهمية مواقع التواصل بالاجمال ومدى النجاح الذي حققته بل اتحدث عنها من زاوية أن تكون اداة ادبية أو صحفية بالمعنى الشامل للأدب أو للصحافة فهي اظن لا زالت اقل من ذلك.
رسالتي اخيراً للمدونين هي أن يعودوا لمدوناتهم فهي اكثر اناقة وهدوء واكثر فعالية واقرب للكتاب الورقي وللصحيفة اليومية من شبكات اجتماعية لم تُعنى ولم يُعنى مصمموها بذلك أصلاً.
منقول لمقال مفقود على الويب - الكاتب : أبو علي - فريق التحرير بترايدنت.
التعليقات