أسمع كثيرًا هذه الأيام من يبررون عزوفهم عن الزواج وإنجاب الأبناء، على الرغم من قدرتهم على ذلك، بأن ظروفهم أو ظروف العالم مخيفة، وأن الحياة القادمة لن تكون سهلة، لذلك لا يريدون أن يظلموا هؤلاء الصغار الأبرياء بإجبارهم على الحياة في هذا العالم القاسي.

ورغم رومانسية هذه الفكرة، إلا أنها أكبر خدعة تمكن الشيطان من زرعها في عقولنا؛ فمتى كانت الظروف السياسية والاقتصادية السيئة، سببًا في عدم الزواج أو منع الإنجاب؟ وإلا لكان البشر قد انقرضوا منذ آلاف السنين في ظل المجاعات والحروب والأوبئة التي أطاحت بالعالم أجمع في السنوات السابقة، لكن هذه ليست المشكلة الأساسية هنا.

فالفكرة مبنية على معتقد خاطئ، وهو أن وجود الإنسان في الدنيا مرهون بزواج أبويه وإنجابهما له، وهذا خطأ وفقًا لما درسته في الشريعة الإسلامية، حيث إنه ووفقًا لعقيدة المسلم، فإن وجوده في الحياة حتمي منذ خلق الله آدم عليه السلام، وأخرج من ظهره ذريته وعرض عليهم الأمانة، كما في قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف - 172]. 

ثم أنزل أباهم إلى الأرض ليبدأ بعدها عصر البشرية على الأرض، كما أن وجود كل جنس بني آدم نبع من النفخة النورانية التي نفخها الله تبارك وتعالى في جسد آدم، في قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر - 29].

لذلك فوجود كل إنسان يولد بعد آدم في الدنيا حتمي، حتى وإن لم يتزوج أبواه، فسيولد ابنًا لأسرة أخرى؛ لأن الولادة والوجود أمران بيد الله تبارك وتعالى، وليسا بيد البشر، فإن كنت خائفًا على ولدك من الحياة أحسن تربيته، أما حرمانه من الوجود، بحسب وجهة نظرك، فإنها مجرد أنانية محضة منك لكي تستمتع بحياتك دون مسؤوليات، وقد كان أجدادنا يتزوجون وينجبون قبائل كاملة وهم رُحّلٌ يجوبون الصحراء باحثين عن الطعام والشراب، قبل تَكَوّن المجتمعات والدول بسنوات طويلة.

كما أن الله تبارك وتعالى نهى عن قتل الأولاد خشية الفقر، كما كان يحدث في زمن الجاهلية، كما جاء في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء - 31]، وما من فعل أبشع من القتل، إلا الحرمان من الفرصة في الوجود، بحسب اعتقاد هؤلاء طبعًا وهو باطل، فكل إنسان مكتوب له الوجود عند الله سوف يُخلق ويعيش ويُبتلى شئنا أم أبينا، ولذلك فلن يكون الهرب من المسؤولية حلًا في أي زمان ومكان، فإذا لم تربِ ابنك أنت، سيربيه غيرك أو ستربيه فتن الدنيا وبلاءات الحياة.