البروباغندا أحادية الإتجاه وسياسة عزل العقول!


التعليق السابق

بالتاكيد التنوع الفكري لكن بشرط التنوع الفكري المتزن الذي يصب في المجتمع افكار سليمة واقعية ليست بالشاذة او القائمة على افكار فردية اي من باب فسددوا وقاربوا.

كيف ستضبط ذلك؟، لنا في بعض الدول العربية أمثلة، بمجرد سعيهم للتنوع والانفتاح ضاعت الهوية التي تميزهم، أحدهم أصبح نموذج من الغرب وربما أكثر، والثاني فقد سماته المميزة بكل أبعادها.

الذوبان في الثقافة الغربية ناتج عن غياب الإعتزاز بالهوية و الثقافة الوطنية ، لقد صنعت الأنظمة الموالية للأمبريالية التابعة للإحتلال التقليدي واقعا فاسدا من التجهيل و العزل و التخلف و إدانة الحريات المشروعة ، لقد ظلموا الأبرياء و خربوا البيوت و نهبوا الثروات و المناصب و أعطوا وعودا زائفة للشعب و استغلوا المناصب المستأمنين عليها لخدمة أغراض شخصية ..

أوافقك الرأي ، لكن بالنسبة ( للشاذ ) يقول الخبراء أنه يحفظ و لكن لا يقاس عليه ، بمعنى أنه يعطى له إعتبار و مساحة للوجود ، و لكن لا يقاس عليه بمعنى أنه لا يصبح هو المعيار و المرجع الطبيعي الذي يستند عليه ..

لكن ليس كل ما هو شاذ يجب أن يسمح له بمساحة للوجود فبعضه يجب أن يحارب من البداية سواءً لإضراره بالمجتمع أو حتى لا يصبح هو السائد وبالتالي يكون المعيار، كما حدث فيما يتعلق بالكثير من الأفكار بالثقافة الغربية التي كانت في البداية مجرد أفكار يتبناها أقلية حتى أصبحت اليوم تمثل طبيعة الأمور وأصبح من يخالفها هو الشاذ.

الشاذ يبقى شاذا حتى لو أصبح مشاعا و تمارسه الأغلبية الساحقة ، لأن صفة ( الطبيعية ) هي شيء لا يزول بمخالفة الأغلبية له ، في القديم كانت الكثير من الشعوب تعبد الأصنام و عبدوا الشمس اعتقادا منهم أنها تنفع و تضر و أنها الإله الخالق - تعالى الله عن شركهم - ، و كانوا ينظرون إلى الذين لا يوافقونهم الرأي على أنهم شواذ و متمردين ، و لكن ذلك الشيوع لم يمنع و لم يحجب الحقيقة ، و عاشوا شاذين في اعتقادهم إلى أن جاء من يعيدهم إلى الأصل و إلى الطبيعي ...

لذلك فإن الحقيقة و الطبيعية صفة خالدة لا تموت و لا تتأثر بظنون و اعتقادات البشر

أتفق مع هذه النظرة كليًا فالشاذ فعلًا يجب أن يحدد من منظور ديني يتبع الفطرة، لكن الواقع يقول أن الشذوذ يصبح عمليًا المعيار في كثير من الأحيان وأقصد هنا معيار من منظور دنيوي سواء كان هذا المعيار صحيح أو خاطئ، الفكرة فقط في النظرة للشاذ على أنه شيء يحفظ له بحق الوجود كما فهمت من تعليقك وهذه هي نقطة إختلافي وأرى أن بعضه قد يسمح له بالوجود لكن البعض الآخر يجب محاربته من منظور ديني وأخلاقي حتى لا يؤدي بضرر كبير في المجتمع. فهل تتفق مع هذه النظرة أم تجد أن كل الأفكار لها حق الوجود الوجود والانتشار والأمر يرجع في النهاية للمجتمعات والأشخاص في الاختيار؟

في فطرتنا وغريزتنا الإنسانية نحن نخاف من الأشياء المجهولة، وهو خوف طبيعي ابتدائي احترازي يقينا من مخاطر الشيء المجهول إذا كان يحتوي عليها، ومع ذلك حصل كثيرا في الماضي أننا خفنا وحاربنا الكثير من المجاهيل التي تبين لنا لاحقا أنها شيء اعتيادي يصب في صالحنا بعد أن فهمناه وأدركنا كنهه و طبيعته، فالمجهول دوما مدان ومستنكر ومستغرب حتى نرتاح ونشعر بالأمان ناحيته وناحية وجوده ..

الشاذ عبارة عن شيء أو حالة أو ظرف أو حتى شخص يعتبر في مقام ( المجهول x ) ، ويعتبر كخطر ( ⚠ ) في أذهان الناس، و لمجرد سماع كلمة ( شاذ ) يتبادر إلى الذهن أنه شيء سيء مخالف للطبيعة، مع أننا استهلكنا من قبل كثير من الأغذية المصنعة والمعدلة وراثيا والتي تصنف كأغذية شاذة غير طبيعية، ومع ذلك تناولناها ووثقنا في سلامتها بسبب أنه تم التأكيد والمصادقة على سلامتها وصحتها وقد تبين لاحقا أنها مفيدة وصحية، أما بعض الأشياء الشاذة يتم رفضها ليست من باب كونها ضارة أو غير ضارة بل ترفض لأن الذوق العام للأغلبيات الإنسانية هو من يرفضها، ( يشبه الأمر كأن تحاول فرض تمرير نوع الموسيقى المفضلة لك على حساب نوع الموسيقى التي يفضلها جميع الجالسين معك ، رغم كونك تشعر أن النوع الموسيقي للأغلبية غير محبب لديك إلا أنك مضطر لقبول تمريره من باب تفوق رغبات الأغلبية ) ، و هذا قد لا يعني بالضرورة أن ( رغبة و رأي الأغلبيات ) هو رأي صائب و حقيقي و جميل و صادق و نبيل و عادل ، فقد لا يكون كذلك البتة ، و قد تجد الجمال و الصواب و الحقيقة و الذوق كلهم عند شخص أو عند أقليات صغيرة .. و مع ذلك فإن تمرير رأي الأغلبية هو المتعارف عليه في أعراف البشر ، لذلك رغبة الجموع أولى من رغبة الفرد بغض النظر عن الصوابية و الحقيقية ، فالبشر منذ القدم يحترمون رغبة العنصر الأقوى سواء كان فردا أو مجموعة أو أقلية ، لأنهم لا يهتمون لمسائل الصوابية و الحقيقية و ما شابه ذلك بقدر ما يهتمون بعنصر البقاء في دائرة الأمان ، لأن الأمان أهم عندهم من الحقيقة ، و يمكنهم أن يكذبوا و يزيفوا الحقائق إذا كان ذلك يجلب الأمان و يبعد الأخطار عنهم .. الحقيقة هي شيء ليس من اختصاص الناس الآخرين بل هي مراد العلماء و الفلاسفة و المفكرين و الباحثين و المنقبين الذين يرغبون بمعرفة تفاصيل و خصائص و أمور كثيرة بغض النظر عن ما إذا كانت ستضعهم في موقف محرج و تعرض أمانهم الشخصي للخطر .. هم متخلفون في إدراك العواقب الأخلاقية والعاطفية لهذا يحتاجون لمرشدين أخلاقيين و نفسانيين ، لأن إدراك المسائل الأخلاقية مهم جدا للباحث .. و من يدري فقد يصبح ما يسمى شاذا شيئا طبيعيا إذا تبينت للناس سلامته و انعدام ضرره .. و مع ذلك فإن الأصل الطبيعي الأول باق محفوظ مهما ظهرت المستجدات و الاصطناعيات ..

لأن الأمان أهم عندهم من الحقيقة ، و يمكنهم أن يكذبوا و يزيفوا الحقائق إذا كان ذلك يجلب الأمان و يبعد الأخطار عنهم .. الحقيقة هي شيء ليس من اختصاص الناس الآخرين بل هي مراد العلماء و الفلاسفة و المفكرين و الباحثين و المنقبين

أجل هذا صحيح جداً. قليل جداً من الناس من يتحرى الحق. الاهم عندهم اللقمة و النومة و الكسوة! الحق مطلب عزيز لا يتحراه إلا النادرون كما قلت أنت. حتى العلماء الأفذاذ أحياناً لا يغامرون من أجل الحق. أذكر أن جالليو جاليلي وهو في محكمة التفتيش لما خير بين العقاب وبين أن يتراجع عن نظريته حول عدم مركزية الأرض وأن الشمس لا تدور. أقسم ولكنه - كما يشاع عنه - قال في همس: ولكنها تدور!!! مات العالم كمداً لكتمانه الحق. هنالك من حرقوا من قبله في عصر النهضة مثل جورديانو برونو الأيطالي بسبب نفس القضيةأيضاً لكنه آثر الحق! القلائل من يؤثرون الحق.

نعم بالفعل ، لقد قتل العلماء في تاريخنا كذلك بسبب قضايا مشابهة و تمت زندقتهم و تكفيرهم و اعدامهم بسبب استنتجاتهم الجديدة ، و بسبب خوف الطغم الحاكمة من التفاف الناس حولهم و تبني أفكارهم الجديدة .. لذلك تآمروا عليهم في السر و دبروا لهم مكائد و قتلوهم ، و بعض المحظوظين تم نفيهم ، و البعض الآخر سرقت منهم جهودهم و جردوهم من ملكيتها ، هناك تاريخ ملطخ بدماء العلماء و المفكرين و المجددين ، و هو تاريخ مسكوت عنه و مغمور و مطموس بسبب خوف الناس و الكتاب من انتقام السياسيين الذين يرغبون بتمرير إديولوجياتهم و التستر على فضائحهم و جرائمهم ، و مع ذلك فإن التاريخ السري لا يموت بموت الراحلين ، و هو محفوظ و لا ندري أبدا في أي مكان يمكن أن يحفظه الخالق ، فالحقيقة شيء لا يموت بموت حامليها لأنها شيء خالد ستعود أجيال و أجيال لحمله و إظهاره حتى لو تطلب الأمر العودة إلى نقطة الصفر ، فالحق أو الحقيقة هما شيء يعلو ولا يعلى عليه ، و الخالق سيقيض له من يبحث عنه و يحمله حتميا حتى ولو من صلب و من أعماق الباطل .. ، و الذين أجبروا و أكرهوا على قول الباطل و الزور و قلبهم يأبى ذلك و يتمسك بحمل الحق ، فلا بأس بالكذب للنجاة بالحياة ، لأن الحياة و غريزة حب الحياة أهم و أولى من النطق بالحقيقة ، و الناطق بالباطل تحت تأثير التهديد بفقدان الحياة لا إثم و لا ذنب عليه لأنه يدخل في حكم المجبر و المضطر ، فالإنسان مطالب بالحفاظ على حياته أولا و قبل أي شيء آخر ، ومع ذلك فالإنسان في سعي دائم و حثيث إلى إيجاد حقيقة معينة يؤثرها على حياته و يضحي من أجلها بلا أي تخاذل أو تراجع ..

( و كل إنسان يسعى أن يكون لديه شيء أو قضية ما أو ربما شخص معين يمكنه أن يقيض له حياته من دون أي تردد ) ..

ثقافة

لمناقشة المواضيع الثقافية، الفكرية والاجتماعية بموضوعية وعقلانية.

97.2 ألف متابع