يؤكد علم النفس الحديث أن غالبية الأمراض النفسية الرئيسية قد تم التوصل إلى معرفة أسبابها وجذورها، وأنها تحدث نتيجة تغييرات كيميائية في الجهاز العصبي ويمكن علاجها عن طريق تعديل الخلل الذي يعاني منه المريض باستخدام الأدوية النفسية الحديثة أو العلاج النفسي.. ولكن هناك حقائق أخرى وجوانب خفية تتدخل في الموضوع أيضا ولم يستطع العلم " الغربي"أن يسلط عليها الضوء لأنها غير قابلة للقياس والتجربة، وبذلك فهي بالنسبة له أشياء لا وجود لها وتدخل في نطاق ما يسمى بالميتافيزيقا التي لا يمكن اعتمادها في بلورة نظرياته وأطروحاته العلمية، وبالتالي أساليبه العلاجية المعتمدة..

فالإنسان رغم لغط الفلسفة المادية الإلحادية السائدة في الأوساط العلمية، ليس كائنا بعيش بمفرده في هذا العالم، بل هناك مخلوقات أخرى تتقاسمه الأرض يتأثر بها وتتأثر به، والدليل على ذلك هو عالم الميكروبات الذي لم يكن معروفا من ذي قبل، والآن ثبت أنها السبب الرئيسي لمعظم الأمراض.

وإن كنا كمسلمين نقر أن الشيطان موجود وله دور في الوسوسة والإغواء، فيجب أن نعتبر تأثير الشيطان مما يدخل في نطاق النفس وتقلباتها وأمراضها و ظواهرها المختلفة، وفي هذه النقطة نختلف كمسلمين مع المدارس الغربية التي لا تؤمن بالغيب. نعم هناك قواسم مشتركة بين كل البشر وطبيعة موحدة في النفس وأسباب موضوعية وقابلة للقياس لمجموعة من أمراض النفس، ولكن هذا لا ينفي أن هناك تداخل بين المادي الملموس والغيبي الغير محسوس في مسرح النفس البشرية، والدليل من القرآن الكريم :

"واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب"

وقوله عز وجل : ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى))

فالضنك النفسي أو ما يسمى بلغة العلم "الاكتئاب" أو "القلق" مرده الأول والأساس هو الغفلة والإعراض عن ذكر الله، وتأتي بعد ذلك ظروف خاصة بكل إنسان تكون من القسوة والسوء ما يفاقم من ضنكه وألمه النفسي، فتصاب نفسه بأمراض شتى مما هو معروف في تصنيفات الطب النفسي المعاصر..

غرضي من هذا المقال هو أن ألفت 

انتباه القارئ إلى ضرورة تبني طرح علمي جديد لا يتبع المدارس الغربية في علم النفس اتباع المقلد الأعمى الذي يرفض الانفتاح على العالم بكل ما يكتنفه من أسرار وخفايا بحجة أن الغرب سبقونا في العلم ويتوجب علينا تبعا لذلك أن نحدو حدوهم في كل ما يطرحون جملة وتفصيلا، نحن مسلمون ولدينا العلم الصحيح المطلق الذي الذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من لدن رب العالمين، وينبغي علينا أن نتخده نبراسا وسراجا نستنير به في الظلمات، فنستقي منه ما ينفعنا ويوجهنا الوجهة الصحيحة بينما نبلور أفكارنا ومناهجنا العلمية والمعرفية، فيكون بذلك العقل خادما للوحي وتابعا له، يبني ويشيد الصروح السامقة في شتى مجالات الحياة، ويعمر الأرض كما شاء الله لها أن تعمر، جاعلا من الاستقامة شعارا له، ومن الخضوع لله ورسوله طريقا.. إذ ذاك نستطيع القول أننا نستطيع كمسلمين مقارعة ما ساد من باطل، وما انتشر من زيغ وجهالة، وبناء عالم يسوده العدل والحق والرحمة.