زحام الأفكار ورسائل إلى رائد العلم..
أجد نفسي مشتتة الفكر كثيرا ، وربما لا أجد ما أكتبه من كثرة زحام الافكار ولكني اهتديت أخيراً لموضوع ربما يجذب بعض من يتابع كاتبة مغمورة مثلي ، فقد وجدت عدداً لا بأس به من الخطابات الورقية التي كنت أرسلها للعالم الكبير دكتور مصطفى محمود رحمه الله ، فلم أكن لأصدق إنه يمكن أن يقرأ جواباً لي ، وكيف يقرأ رسالتي من بين رسائل القراء الكثيرة التي يمتليء بها الصندوق المثبت بجوار الجامع ، وماذا أفعل إذا ظل الحال هكذا ولم يقرأ الكلمات التي أرسلها ، هل أترك الأمر هكذا للموظفين يفرغون الصندوق وينقلوه إلى الملف الخاص ليعرضوه عليه ثم يقوم بالتوقيع والسلام ، ربما يجب أن أغير طريقتي في الكتابة والمفترض بي أن يكون لي طريقة مختلفة حتى يرد على البريد الوارد إليه ، وبالفعل أصبحت أقوم بتحليل مقالاته الأسبوعية بالأهرام بدلاً من تحليل الكتب الخاصة به ، وذلك لأن المقالات تجسد الحالة الحاضرة وليست الماضية ، وبالفعل نفذت ذلك وقمت في ذات الوقت بالاتصال بمركز ومسجد محمود بالمهندسين للسؤال عن أحوال الخطابات ،وأخيراً حدثني السكرتير الخاص لدكتور مصطفى محمود وأعطاني رقم منزله ، وقال لي إنه سيرد على مكالمتي يوم الأحد الساعة السابعة ، وهنا طرت فرحاً ولم أصدق نفسي ، وذهبت إلى والدي لأتحدث بفخر عن حصولي على موعد مع رائد العلم والإيمان الذي ينتظره المصريين خلف الشاشات كل يوم سبت على القناة الأولى ، وقد بلغ اهتمام الناس بالبرنامج في تلك الفترة أن العائلات كانت تتجمع معاً لمشاهدته وتكون الشوارع خاوية من المارة في تلك الأوقات ، مما كان يدفع أصحاب الحاجات إلى النزول أثناء البرنامج حتى يستطيعوا شراء ما يريدون ، أو الوصول إلى المكان الذي يرغبون لأنه لأول مرة يحل العلم والدين مكان الكرة والترفيه
الخوف و…المكالمة المنتظرة
مر يومين انتظر مكالمة الدكتور مصطفى محمود ، وأقول في نفسي : هل سيتصل بالفعل ، أم سأعود وأشعر بالخجل أمام والدي الذي يعد من القراء الدائمين لمقالاته وهو يرى في شيئاً ، وكذلك والدتي هي تتابع برنامجه بشغف وسعادة ، ماذا سيقولوا إذا لم يحدثني أو يرفض مقابلتي للنقاش معه عن كتبه ومقالاته ، والآن الساعة السابعة والتليفون يرن الفرحة والخوف اجتمعوا داخلي ، ولكني أسرعت لأرد على الهاتف لأجد صوت الدكتور مصطفى محمود يخاطبني بهدوء وتواضع غريب لدرجة مذهلة تجعلني أخجل من نفسي وأشعر إنني صغيرة وضئيلة جدا ، فلقد كنت أعتقد إني امتلك فكراً لأني أقرأ كتبه وأحاول أن ألخصها وأرسل له مميزاتها والنقد الموجه لها في نظري ، ولكنني عرفت إنني ليس عندي فكر ولا علم ولا أي شيء عندما رأيت هذا التواضع وهذا الإنكار للذات ، فبساطة مصطفى محمود تجعلك تطمئن وتتحدث وفي ذات الوقت كانت قوته تنبع من وضعه لبعض الخطوط الحمراء الصغيرة التي تجعلك تهابه و تضعه في قدره دون خوف ، فقد كانت إطاراته المحددة هي مواعيده المنظمة وسماعه للأحاديث وبغضه للثرثرة ، وقد استطعت أن أراعي ذلك بشدة .
مصطفى محمود وحوار مع الأسرة….
كان المشهد الثالث في أجمل مكالمة تليفونية هو حصولي على موعد لمقابلة مصطفى محمود أنا وأسرتي ، وقد كانت سعادتي لا توصف وأنا أرى والدي يحدثه ويتفق معه على الموعد ، ثم يأتي الدور على والدتي لتتكلم هي الأخرى وتشكره على حفاوته وترحيبه ، وبعد أن انتهى الحوار الهاتفي أخذت أنظر إليهم في فرحة غامرة ، وعاد لي الحماس والثقة بنفسي مرة أخرى بعد أن كنت أشعر بالقلق ، وهذا هو ما كان يصنعه مصطفى محمود في القراء الحقيقيين لكتبه والباحثين في العلم والدين ، كنت أراه داعماً حقيقياً وعرفت من خلال متابعتي لجامع ومركز محمود أنه كان يعول بعض الباحثين وطلبة العلم من داخل مصر وخارجها ، لقد كنا نرى في المركز طلاب مصريين وأجانب ، وكنا نرى ملحق ثقافي ومعمل تجارب ، وكذلك كان هناك متحف للحفريات ، و كانت هناك شاشة سينما لعرض أفلام تاريخية ووثائقية للشباب ، كان الإسلام في مسجد محمود هو الدين والدنيا ، هو العقيدة والحياة ، لقد أنشأ مصطفى محمود مدرسة بلا أسوار تضم جميع الناس بلا تفرقة بين هذا أو ذاك ، وقد كان لسياسته المنفتحة أثر في صناعة جيل ممتد من الشباب ظل يحبه ويقرأ له إلى وقتنا هذا ، فهو يعد من أكثر الكتاب إن لم يكن الوحيد الذي انتشرت كتاباته على السوشيال ميديا بشكل لافت للأنظار، وقد ساهمت ابنته أمل بشكل كبير في ذلك نتيجة لحرصها على التسويق المستمر لأفكار والدها وتوصيل رسالته لكل الأجيال .
البيت الأبيض مصري وليس أمريكي
ذهبنا إلى حي المهندسين حيث المكان الذي يقطن فيه مصطفى محمود ، ودخلت أنا ووالدي ووالدتي لأول مرة إلى بيت أبيض بسيط منظم ، بالفعل هو البيت الأبيض ليس الأمريكي بل البيت الأبيض المصري المنظم والمتواضع كصاحبه دكتور مصطفى محمود ، وهو أبيض لأن معظم ما بداخله باللون الأبيض ، وعرفت فيما بعد أن اللون الأبيض كان المفضل له لأنه كان متصوفاً زاهداً في الحياة ، وكذلك كان محباً للوضوح في حياته وأفكاره وهو ما يرمز إليه اللون الأبيض ، كان استقباله لنا رائعا حيث دعى ابنته أمل للجلوس معنا وجاءت لتتعرف علينا وتتبادل معنا الأحاديث ، كانت إنسانة رقيقة وهادئة وتشبه والدها في التواضع وحب الناس
الجوهر هو اليسر والبساطة وليس الجدل والفلسفة
تحدثنا مع دكتور مصطفى محمود في ذلك اليوم عن التدين ، وعرفنا منه أن الدين ليس بالظواهر والشعائر ، بل بجوهر الشيء ، فإن أساس الأشياء في الخلاصة منه وليس في مظاهره وما يبرز على سطحه ، والوسطية هي نفسها عمود الإسلام وبنيانه ، ولهذا فالفطرة الربانية والمعرفة اللدنية أكثر قوة من العلم والجدال العقلي ، ولهذا يقول مصطفى محمود : أن والده هو الأكثر تديناً وإيماناً وقرباً من الله ، فهو يزكيه على نفسه ويعتبره القدوة والمثل الذي لم ولن يصل إليه على حد تعبيره ، لأنه أخذ الدين بمشاعره الفطرية وإيمانه البسيط أما هو فقد أخذ يجادل ويصول ويجول ثم ألحد ثم عاد مرة أخرى للإيمان ثم الزهد والتصوف ليصل في النهاية إلى الطريق الذي وصل له والده من قبل بيسر وسهولة ، وكان هذا دليل عنده أن والده هو الأكثر نقاء وإيمان .
.
التعليقات