الجزء الثالث والأخير:

وما أخذ يعزف أول جزء مني ،حتى تلاشى .فكان الجزء الذي يعزفه يمحى كأن لم يكن. كان كل رمز موسيقي أسمعه منفصلاً كأنه يجرب أصابع البيانو هل تعمل أم لا .حتى عزف أخر رمز فاختفت النوتة وعدتُ لجسدي القابع أمام باب الغرفة ينظر لذلك العازف الذي لم يطعم فضولي تاركًا إياه هائجاً ثائراً ..سألته من أي نوع أكون ؟كيف كانت المعزوفة ؟هل استطعت معرفة مفتاح قراءتي ؟هل في إمكانك أن تطلعني عليه ؟ولكن دون فائدة ..

تذكرت أنه يوجد غرف أخرى وبالتالى يوجد أشخاص أخرون ربما سمع أحدٌ منهم ما عزف منذ قليل ولعلي أجد الجواب..كانت الغرف الاخرى على بضع خطوات من الأولى وكانت تسكنها سيدة يبدو عليها الملل والوحدة لا تملك سوى بضع ورق أبيض وحينما تساءلت عن مكان القلم حتى شعرت بأحد يضغط على ضلوعي وأني لا ألمس الأرض، شعرت بهواء دافئ قادم من فوقي فاذا بي قلمٌ بيد السيدة ،ووجهي في وجه الصحف البيضاء حينها قُلت اذا لم أُسمع كمعزوفة ، سأُقرأ ككتاب .أخذت تحركني لفوق وأسفل ويمين ويسار وما إن انتهت حتى وجدت أحرفًا منفصلةً مبعثرةً في الورق. ثم قفلت الكتاب فعدُّتُ لجسدى مرة أخرى وحينها قررت أن أغادر ذلك المنزل فلستُ سوى فوضى وعبثية ليس لها معنى .

وما كنت أغادر حتى لمحتُ الغرفة الثالثة وكانت لفنان حينها شعرتُ أن ذلك البيت يعلم نقاط ضعفي جيداً ،وأني ضعيفٌ دائماً أمام الفن ربما كان فقداني له هو السبب . ساقتني قدمي للغرفة دون أي جهد مبذول مني لمنعها ، كانت أكثر الغرف حيوية فكانت جدرانها مليئة بالرسومات وكان الفنان يجلس في منتصف الغرف بيده الفرشاة يبحث عن بقعة متبقية لم يرسم عليها وتلك المرة قد تحولت للوحة قبل حتى أن أفكر .قُلت هذه هي فرصتي الأخيرة .

ولكنه كباقي سكان البيت لم يشفق علي ، فقد اكتفى برسم نقطة بمنتصف اللوحة .وما إن رفع يده حتى وجدت نفسي أمام سور البيت وتقف بجواري تلك القطة التي قفزت علي فأسقطتني لأنهض فلا أجد أي أثر لذلك المنزل العجيب ولا للقطة ولا أجد سوى بجواري سوى ورقة من تلك الورق التي كانت تمتلكها تلك السيدة ولكنها ليست بيضاء هذه المرة أزلت التراب من على عيني لأتمكن من القراءة " لماذا تريد أن تكون معزوفة واحدة وكل رمز يعطى معزوفة مختلفة عند تغير مكانه ،والحرف الواحد يعطينا الكثير من الكلمات التي لها معنى والتى لم تحصل على معنى بعد، كما أن النقطة هى بداية لرسم كل ما تتخيله النفس ، لا تكن السجين والسجان في الوقت ذاته" 

وها أنا أقص تلك الليلة على أنها حلم وأني ممتن لخيالي، ولولا تلك الورقة التي لم تفارق جيبي منذ ذلك الوقت ،لآمنت أنا أيضاً أنه ليس أكثر من حلم أثمره خيالي.