الجزء الثاني:

ظللتُ أنظر إلى البيت و أنظر إلى قدامي متسائلاً هل انخرطتُ في خيالي هذه المرة حتى فقدتُ القدرة على التحكم به؟ واذا فجأةً صوت موسيقى خافت يجذبني من أفكاري ، حينها قفزتُ داخل البيت ورائها مستسلمًا كعادتي لخيالي.

لم أرى بابًا خارجيًا لا يوجد سوى ممر وضع على جانبيه بعض أزهار الزينة ،في البداية ظننتُ أنه منشأة حكومية قد أغلقت منذ زمن .بحثتُ عن تلك القطة ولكن دون فائدة .بعد بضع خطوات تملكني كعادته بغتةً، وكنتُ أظنُ أني هربتُ منه هذه المرة ولكن ها هو الملل كعادته ضيف غير مرحب به.سقطت الأشعة الأولى للشمس على عتبة البيت كأنه أول واجب تقوم به في يومها، فظهرت جملة منقوشة ومن هيئتِها يظهر أنه مر عليها العديد من السنوات وبعد الكثير من المحاولات لقراءتِها تمكنت من القراءة "تحرر من كل ما يقيدك،مهما يكن كينونته."ونظراً لما أرتديه لم أتحرر سوى من تلك الفردة التى تجعل طريقة سيري أشبه بالمهرج.وما إن مررت فوق الجملة حتى فقدت الشعور بالوقت،كأنك تمرر شريط كاميرا لا تعلم بدايته من نهايته ،هل مازلنا في الصباح أم جاء الليل ؟

يوجد ثلاث غرف ولكن دون أبواب. مررت بأول غرفة والتي كانت مصدر صوت الموسيقى الذي سمعته من قبل فلم تكن تحوي سوى بيانو ورجل كهل تلعب يده على أصابع البيانو دون نوتة موسيقية حينها تمنيتُ أن أكون تلك النوتة المفقودة .وما إن سمعت أذني بالفكرة حتى وجدتُنا وجهًا لوجه (وكان وجهه من قرب يظهر وسامته وأنه مازال شابًا وكأنه كهل صغير السن ) .

وما هذا الحائط الأسود الذي أستندُ عليه !

ما هذا !

هل أصبحت نوتة الآن؟!

مر بضع من الوقت ثواني ،دقائق ، أيام ربما سنوات "فقد بتُ لا أشعر بماهية الوقت "وأنا وذلك الكهل صغير السن ينظر كلاً منا للآخر ولكني أخذت أتساءل مما ستصدره تلك النوتة هل معزوفة هادئة أم صاخبة ،حزينة أم ستنشر السعادة !!

لم أتبين من ملامحه ما يصمت فضولي لذا لم يكن في يدي سوى أن أنتظر .وها هي يده تتحرك بعدما ظننتُ أنه أيضاً يرى نوتة موسيقية لأول مرة .سأستدل على ما في جعبة تلك النوتة ما أن تصافح أصابعه أصابع البيانو...