كل منزل في بلدتي له دوارة رياح. جميع المخازن والمباني والمكتبة أيضا. تعلمنا أن نراقب ذلك الديك بعناية عندما نكون في الخارج. إذا بدأت الأسهم تشير إلى الجنوب، يجب أن تدخل إلى أي مكان. لا يهم إذا كنت أمام منزلك أو في الحديقة أو إذا كنت في السوق. إذا هبت ريح جنوبية، يجب أن تدخل بأسرع وقت يمكن.
كنت أعمل في المطعم بعد الجامعة عندما بدأ الناس يتوافدون لتناول العشاء. سرعان ما تحول المكان إلى ما يشبه ملاجأ الزلازل أو الفيضانات، مكتظا بمعظم من كان يعمل أن يتنزه في الأجواء. شاركت نظرةً مع أحمد الطباخ. لقد شهدنا مثل هذه الجلبة فقط عندما تبدأ الرياح في التوالد، كان الناس يتوافدون إلى الداخل بسرعة. التفت أنا وأحمد إلى فاطمة. كانت بالفعل تمسح سبورة الأسعار. لقد كتبت بحروف كبيرة وواضحة:
عرض رياح الجنوب؛ خصم 50٪ على كل طلب.
جاءت الطلبات متتالية لذا توقفت عن مسح الطاولات وذهبت لمساعدة فاطمة مع الزبائن. كان الجميع يتكلم بنشاط. لقد مضت أكثر من ثلاث شهور على آخر رياح جنوبية بهذا الشكل. لقد شهدنا نسمات صغيرة هنا وهنا، دفعت الناس إلى الهروب لبضع دقائق ولكن لا شيء مثل العاصفة التي كانت تحوم في الخارج. كانت هناك مجموعة من أشجار الصنوبر تصطف على جانب موقف السيارات راكعة تضرعا للرياح، تنحني أغصانها وترتجف. بدأت السماء في لبس ردائها الأسود، ووشاحها السحابي يلتف وكأنه من الصوف عالي الجودة. كانت الأراجيح تتأرجح ذهابًا وإيابًا في الحديقة التي تقع عبر الشارع.
"يبدو كأنها عاصفة كبيرة اليوم"، قال أحمد، وهو يضع قطع البرجر على الشواية.
كان بإمكاني سماع أزيز اللحم فوق همهمة الحديث. لقد كان هناك ما لا يقل عن عشرين شخصًا مكتظين في المطعم الصغير. امتلأت الطاولات وكان العديد من الزبائن يقفون أمام النوافذ الكبيرة وهم يحتسون شرابهم ويراقبون العاصفة. سارعت فاطمة من أمامي لتأتي بالنقود. تلامست ذراعانا وشعرت بقليل من التيار الكهربائي ينتقل من حلقي إلى معدتي.
فاطمة بشعرها الأسود وعينيها الزرقاوتين. فاطمة بتلك الابتسامة المتكلفة التي يمكن أن تدمر الزبون الوقح في لحظات.
"هل أنت بخير أسامة؟" سألتني بصوتها المطمإن. "انت تحدق فيّ."
"لا... لقد شرد ذهني لثواني. آسف."
أشاحت بنظرها عنّي. "أسرع يا شارد البال. الطلبات تنتظر ويمكنني سماع أحمد وهو يصرخ على موقد الخبز. ربما يجب عليك أن..."
توقفت عن الكلام. توقفت المكان كله. تم كتم صوت أكثر من عشرين صوتًا معًا في وقت واحد. كلنا رأينا نفس الشيء. كانت هناك سيارة على الطريق تسير ببطء متجاوزة المطعم.
كانوا في الخارج!! وكانت الرياح الجنوبية تزداد غضبا.
همس أحمد "يا رب". "لا أعتقد أنهم يعرفون."
كانت السيارة، فورد حمراء اللون، تتحرك بسرعة. رأيت شخصين بالداخل ، أحدهما خلف عجلة القيادة يشير بوجهه إلى الحديقة. كانت لوحة السيارة من خارج الولاية. سياح؟، ربما كانت البلدة فقط طريقهم إلى مكان آخر. لن يعرفوا، بالطبع لن يعرفوا. لم تكن غرابة بلدتنا سراً، لكن كنّا معزولين، ولم نشهد الكثير من الزوار، وكانت الرياح نادرة بما يكفي بحيث كان غالب السكان في الداخل آمنًا في الوقت التي تهب فيه.
لم يكن التواجد داخل السيارة أثناء هدير الرياح الجنوبية حكما بالإعدام. حرص أبي على إخباري بذلك كثيرا بعدما حصلت على رخصة السياقة.
"إذا كانت الرياح في بدايتها ، توقف وادخل إلى أي مكان تستطيع الدخول إليه" قال لي أبي بينما نحن في سيارة بيك أب تويوتا البنية التي تكبرني بسنوات. "إذا كانت الرياح تهب بشدة وكنت في الخلاء ، فقم بالقيادة شمالا. ستكون بخير إذا تمكنت من الخروج من البدلة بسرعة. ستلاحظ أن الرياح لا تهب بنفس الطريقة بمجرد أن تبتعد قليلا عن الحدود".
"الآن، إذا حدث، لأي سبب من الأسباب، وأصبح الجو كئيبا والسماء سوداء وبدأت في رؤية ظلال حيث لا ينبغي أن تكون ، يجب عليك إيقاف السيارة، إغلاق النوافذ، تأمين الأبواب ثم احشر نفسك بين المقاعد. أبق السيارة مشتغلة. قم برفع صوت الراديو قدر الإمكان وحاول ألا تنظر حتى إلى الخارج. ثم انتظر حتى تتوقف الرياح ".
لكن سيارة فورد الحمراء تلك لم يبدو وكأنها ستتوقف للدخول إلى المطعم. ولم تكن تقود إلى الشمال أيضا. كانت تتجه جنوبا باتجاه الوادي، باتجاه مصدر العاصفة.
بدت الغيوم فوق المطعم وكأنها بطانية من الصوف تمزقت وأعيد تجميعها مرة أخرى. كان بإمكاننا الآن سماع صفير الريح عبر النوافذ، وحفيف الأوراق من على الأشجار.
"استديروا أيها الحمقى " همست فاطمة. "أخرجو من هاته البلدة الملعونة."
واصلت الفورد حركتها مع تخفيف سرعتها، بدأت الأضواء بالوميض داخل المطعم. ثم ذهب التيار مرة واحدة. يحدث هذا عادة عندما تكون الريح شديدة ولكن نادرًا ما يحدث هذا بعد وقت قصير.
"سيكون هذا أسوأ يوم في حياتي" صرخ أحمد بصوته المتشائم.
كان حشد الزبائن مضطربًا، وكان كل من في المطعم تقريبًا يقف عند النافذة يراقب السيارة. كنت أحاول أن أقول لهم ذهنيًا أن يستديروا، وأن يسرعوا خارج البلدة، وأن يتوجهوا شمالا كأن الجنة في انتظارهم. أو أن يوقفوا السيارة على الأقل ويحشروا بأنفسهم بين المقاعد، فقد تكون لديهم فرصة للنجاة. أبطأت السيارة سرعتها إلى أن توقفت بجوار الحديقة، ولفترة وجيزة ، تساءلت عما إذا كان التخاطر الذهني حقيقيًا. ثم فتح باب السائق. حبس البعض أنفاسهم داخل المطعم وبدأ البعض في التذمر.
"أغلق الباب ، أغلق الباب" ، همس أحمد، وهو يخرج من المطبخ للوقوف معي وفاطمة خلف الشباك.
"هل يمكننا التلويح لهم؟" سألت فاطمة. "شخص ما يمكن أن يفتح الباب و..."
"إياك أن تفعلي هذا أيتها الحمقاء"، صاح أحد الزبائن "تعرفت عليه على إنه عمر أو عامر الذي يقوم بتوصيل الطرود".
نزل سائق الفورد، ورفعت إحدى ذراعيه لحماية وجهه من الرياح. كان قصيرًا، ذو شعر رمادي ، والمرأة التي خرجت من الجانب الآخر كانت تشبهه إلى حد كبير. وقفوا معًا ينظرون إلى الحديقة. كانت السحب كالكدمات على وجوه الملاكمين بعد قتال دموي وكانت الرياح تبدل في صوتها بين العواء والزئير، على الرغم من عدم وجود أي مطر. لا تزال هته ظروفا سيئة للتأمل في الحديقة.
التفتّ إلى فاطمة. "ماذا تعتقدين أنهم يفعلون؟ لماذا خرجوا من السيارة؟ "
عضت شفتها الصغيرة للحظة. "أعتقد...، أعتقد أنهم يبحثون عن شيء ما."
بدأ الزوجان، كما بدا لي، في الابتعاد عن السيارة باتجاه الحديقة. كانت فاطمة تهتز حرفيا بجواري، يمكنك سماعها تفرقع مفاصلها من آخر المطعم. نظرت إليّ بتلك العيون الزرقاء مرة أخرى وعرفتُ أني موافق على أي شيء ستطلبه مني.
"علينا مساعدتهم" همست خائفة من انفجار زبون آخر عليها. "ما زال هناك وقت."
عصفت كومة من الرياح تجاه المبنى لتعيدني إلى الواقع.
"أرجوك أسامة، لا يمكننا المشاهدة فقط."
لم تنتظر إجابتي حتى. لقد اقتحمت فاطمة الحشد. كانوا جميعًا يراقبونها. عند وصولها إلى الباب، كانت هناك مساحة واسعة وفارغة حولها. فارغة من كل شيء ماعداي. لقد فوجئتُ قليلاً بمدى سرعتي في تتبعها. كانت يد فاطمة ترتجف واستغرق الأمر بعض الوقت لتمسك بقبضة الباب.
"هل أنت معي؟" همست دون أن تشيح بنظرها من على الخارج.
"اليوم وكل يوم" قلت لها وأنا بالكاد أقاوم الرغبة في تبليل سروالي والركض إلى المطبخ.
أخذت فاطمة نفسا عميقا وفتحت الباب. تبدل صوت الريح على الفور من الصفير إلى الصراخ. بالكاد لاحظت ذلك بسبب الرائحة. كانت هناك رائحة كريهة تشبه الجيفة جعلت عينيّ تدمعان. انتبهت لتقيإ شخص خلفي من الرائحة. كانت الرائحة عبارة عن مزيج من عفن فطري ورائحة قمامة قديمة. لقد شممت نفس الرائحة من قبل عندما علقت في رياح مفاجئة، لكن الرائحة لم تكن قوية كما كانت في هته المرة.
انحنيت إلى الأمام مقاوما الشعور بالتقيإ، ثم مددت يدي لإغلاق الباب. بعد وهلة توقفت. كانت فاطمة قد مشت خطوتين أو ثلاثةأمام. ثم بدأت في سحب مئزرها لتغطي أنفها وفمها. ضربت الريح شعرها كأنها تحاول أن تطرحها وهي تعبر موقف السيارات. لكن فاطمة استمرت في المشي نحو الزوجين.
التعليقات