مما لا شك فيه أن أثرًا أدبيًا خطيرًا ونصًا مسرحيًا بديعًا من روائع الأدب الإنجليزي مثل «هاملت: أمير الدنمارك» للشاعر ويليم شكسبير ما كان ليصمد طويلًا أمام محاولات الترجمة للعربية.

ولقد سبق وأن قولت لكم في عجالة، إني قد قرأت مسرحية هاملت مؤخرًا، وذلك ضمن قراءات الربع الأول من العام الحالي.

ولا أخفي عليكم إنني قد غرقت فيها وتأثرت بها حد الثمالة، فاصبحت ألوم على شخصية هاملت تردده في موضع، ووضاعته مع حبيبته أوفيليا في موضع ثاني، وأشفق عليه عندما تراء له شبح أبوه القتيل، وهكذا اتقلب من النقيض للنقيض بين المشهد والأخر.

ولم يقف ولعي بهاملت عند هذا الحد، بل بحثت عن تراجم أخري للنص الأصلي، فتقلبت بين ثلاث تراجم للعربية، وكل نسخة أجد بها تفسير وتوضيح أما مخالف لما قبله أو مكمل له.

وهنا قررت الرجوع للنص الأصلي، لأجد إنه قد فاق كل محاولات الترجمة التي عجزت جميعها عن بيان جمالية النص.

وكمثال، إليكم هذه العبارة الشهيرة:

To be, or not to be: that is the question

والترجمة الحرفية لها:

أكون أو لا أكون. ذلك هو السؤال*

والتي وردت في المنظر الأول من الفصل الثالث، ويختلف فيها الشراح والمفسرين للنص. فبعضهم يرى أن مشكلة هاملت هي هل هناك حياة بعد الموت؟ أما الأخرون فيرون أن هاملت يفكر في الانتحار والخلاص من حياته، استنادًا على ما ورد من أحداث المسرحية، وهذا هو المرجح، فيكون المعنى هنا:

هل أظل حيًا أو أنتحر؟ تلك هى المعضلة.

إن هملت أشهر مسرحية في اللغة الإنجليزية وأكثرها شهرة عند جماهير القراءة في جميع أنحاء العالم، وفي نظر الغالبية العظمى من القراء ومرتادي المسارح ليس لها مثيل حتى من بين أعمال شكسبير نفسه، بل إن العالم الألماني شوكنج يصفها بأنها: «أعظم أثر يعرفه الأدب».

وعلى الرغم من ذلك، نجد أن التراجم العربية للنص لم تنجح أن توضح جماليته ولم تنجح أيضًا في أن تفسر سياقه على الوجه الأمثل.

فعلى أي حال، نجد أن العبارة الشهيرة التي وردت ضمن المشهد الشهير، والذي أرهق المحللين والمترجمين والشراح فترة طويلة، والذي يقول نصه الأصلي:

To be, or not to be: that is the question:

Whether ‘tis nobler in the mind to suffer

The slings and arrows of outrageous fortune,

Or to take arms against a sea of troubles,

And by opposing end them? To die: to sleep;

No more; and by a sleep to say we end

The heart-ache and the thousand natural shocks

That flesh is heir to, ‘tis a consummation

Devoutly to be wished. To die, to sleep;

فيما قام عميد المترجمين د. محمد عناني بترجمة النص على النحو التالي:

أكون يا ترى.. أم لا أكون؟ هذا هو السؤال!

فهل من الأشرف للإنسان أن

يكابد السهام والنبال عندما ترمي بها أقداره الرعناء؟

أم يحمل السلاح ثم يلقي نفسه في لجة الأهوال

فينتهي النزال بالهلاك أي بموت لا يزيد عن رقاد؟

وبالرقاد ينتهي كما يقال أوجاع الفؤاد

وألف صدمة مما تورث الطبيعهْ

لهذه الأجساد!

نهاية ما أجدر الإنسان أن يطلبها: موت هو الرقاد!

يمكنا أن نقول أن ترجمة عناني هي الترجمة الأدق والأكثر شرحًا وتفسيرًا، فقد اعتمد المترجم على الحواشي المفسرة أسفل الترجمة، لتوضيح الموقف وشرح العوامل النفسية وتفسير الجمل والعبارات التي يشوبها الغموض. لكن الترجمة احتوت على بعض التركيبات اللغوية الغير مستصاغة.

بينما نجد د. محمد عوض محمد، قد تصدى للنص ضمن مشروع الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، بالشكل التالي:

الحياة أم الهلاك: تلك هي المشكلة.

أيكون القل أسمى وأنبل،

إذا احتمل قذائب القضاء الجائر وسهامه؟

أم إذا جرد سلاحه على بحر خضم من الكوارث،

فيكافحها حتى يقضى عليها؟

الموت رقاد: ثم لا شيء

ولئن قلنا إننا بالرقا نقضي على آلام الفؤاد،

وعلى آلاف العلل والأسقام التي تنتاب الجسد،

إنه إذن لمأرب ينشده المرء بإخلاص،

الموت رقاد.

أما الشاعر الكبير خليل مطران، فقد تصدى للنص بعد الحرب العالمية ببضعة أعوام فقد قام بترجمة النص كما يلي:

أكون أو لا أكون؟ تلك هي المسألة! أيُّ الحالتين أمْثَلُ بالنفس؟

أتَحَمُّلُ الرجم بالمقاليع وتَلَّقي سهام الحظِ الأنكد،

أم النهوضُ لمكافحةِ المصائب ولو كانت بحرًا عجاجًا

وبعد جهد الصراع إقامةُ حدٍّ دونها،

الموت، نوم، ثم لا شيء.

نوم نستقر به من آلام القلب،

وآلاف الخطوب التي وَكَلَتْهَا الفِطْرَةُ بالأجسام،

ونخشاهُ على أنه حقيق بأن نَرْجُوَه،

الموتُ رقاد.

وعند ذكر ترجمة مطران لهاملت يجب أن نشير إلى أنه كان في الأرجح يعتمد على الترجمة الفرنسية اعتمادًا كبيرًا، ولعله كان ينظر إلى الأصل الإنجليزي من آن لآن. وبمراجعةالترجمة مع الأصل، نجد أن مطران قد دمج الفصل الرابع والخامس، واختصر البعض، وكان أحيانًا يقتضب بعض القطع، أي أن نسخته بها عوار كبير.


هكذا، يمكنا القول أن مهما بلغت روعة ودقة وإحترافية الترجمة، لا تضاهي أبدًا النص الأصلي، وعليه فقد ربح من أوصلته لغته الأجنبية من مهارة للقدرة على القراءة بلغة الرواية الأم...