يمر القارئ عادة إثر انتهائه من قراءة كتاب أو رواية أعجبته بمرحلة الـ “Book Hangover” وهو ما يمكن ترجمته أو تفسيره بمرحلة تشظي الواقع المعاش من حوله نتيجة سيطرة عالم الكتاب أو الرواية عليه، بحيث يستبدل الواقع المعاش الأدوار مع الواقع الافتراضي فيغدو الأول غير مكتمل وحتى سرياليًّا والثاني مكتمل المعالم حقيقيًّا، وكنتيجة لتعلق القارئ بعالم الكتاب الافتراضي يتعلق بخالق هذا العالم: الكاتب.

فيما يلي بعض النصائح التي ستساعدك على عدم “التورط” مع الكاتب:

قبل أن تقرأ أي كتاب أو رواية، يجب أن تضع نصب عينيك أن الكتاب أو الرواية التي بين يديك هي عمل من محض خيال الكاتب وإن كانت تؤرخ أحداثًا حقيقية، وأن العمل الروائي هو عبارة عن حقل ألغام من الضروري أن تمر من فوقه دون أن تتسبب لأفكارك بالانفجار، ولذلك فإنه من واجبك التمسك بوعي القارئ خاصتك لئلا تقع فريسة لنوايا الكاتب.

من الضروري أيضًا أن تعي أن هدف الكاتب الأساسي هو التأثير في القارئ، وهو على غرار القارئ المنافق كما يقول فولتير، كاتب منافق يُبطن ما لا يُظهر ويسحرك برائع الكلام ليستدرجك إلى متاهة نواياه، ويأسرك بعد ذلك داخل أفكاره وداخل عالمه الافتراضي.

وعلى غرار القارئ والكاتب المنافقين، يمثل الكتاب صاحب الغلاف المسالم والحضور الهادئ سلاحًا فتاكًا في مقدوره إعادة برمجة عقل القارئ من خلال أسلوب يعرف بـ “أسلوب التعجيب” Defamiliarisation Technique وهو عبارة عن إعادة تعريف للبديهيات، كأن يفتنك الكاتب بشخصية جذابة تتخذ من الرذيلة أسلوب حياة ويقدم لك مبررات لسلوكياتها فلا تشعر إلا ونظرتك للرذيلة قد تغيرت جذريًا. وقد استعمل جون ميلتون أسلوب التعجيب في شخصية الشيطان في ملحمته “الفردوس الضائع” ليغدو صاحب شخصية جذابة تكسر نمطية الشر فيه.

يجب أن لا تمنعك النصائح آنفة الذكر من الإبحار داخل الكتب، لكن عليك أن تقتدي بأوديسيوس بحيث لا تحرم نفسك من سماع أغاني حوريات البحر الفاتنات بعد أن أمرت بحارتك مسدودي الآذان أن يربطوك جيدًا بالحبال لئلا تجذبك أصواتهن الساحرة إلى قعر المحيط حيث الموت والهلاك، وتكون بعد أن تنتهي من تخطي ألغام الكاتب، كما يعلق ويل ديورنت في “مباهج الفلسفة” على الفرار الأسطوري للعنكبوت الذكر من أنثاه بعد السفاد، قد أصبحت فيلسوفًا.

إن تجربة القراءة تجربة حياتية يجب أن تكون إيجابية تساعدك على تعديل أفكارك وتطويرها لزيادة صقل شخصيتك الثقافية، التي ستمكنك بلا شك من ولوج عالم الكتابة أو النقد الأدبي بشكل يقلل عدد الألغام في الحقول الأدبية ولكن من دون نزعها كليًا، ذلك أن عملية القراءة هي اقتحام لعرين كاتب يتربّص بك دون أن تراه، وهي سباحة ضد التيار لا نجاة منها إلا إذا تسلحت بالحذر والوعي والفطنة.