بسم الله الرحمن الرحيم

مقتطفات من كتاب ( موسوعة بلومزبري في (فلسفة الطب النفسي) )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد 

كتاب ( موسوعة بلومزبري في ( فلسفة الطب النفسي ) )، ترجمة: د. مصطفى سمير عبد الرحيم، تقديم: د. عبد الله بن سعيد الشهري، ابن النديم للنشر والتوزيع - الجزائر- وهران، دار الروافد الثقافية - ناشرون، الحمراء، بيروت - لبنان.

12- ( يعتمد واتسون على مقال في لوس أنجلس تايمز حول روبرت هاريس، وهو رجل حقيقي أُعدِم في كاليفورنيا ( 1987 ) بسبب قتله صبيين مراهقين. تتكشّف سيرة هاريس بترتيب عكسي في هذه المقالة وتتبعها مواقفنا التفاعلية. إنّ هاريس الذي نصطدم به في أول الأمر هو رجل بالغ أدانته الولاية وأهانه حتى زملاؤه المحكوم عليهم بالإعدام. وجد هاريس طريقه إلى مصاف الإعدام من خلال سرقة السيارات واغتيال الصبيين المراهقين. خدم شقيقه الأصغر دانيال كشاهد مباشر، وعلّق على ضحك روبرت القاسي بعد - القتل عندما أنهى شطيرة هامبرغر الجبن المأكولة جزئياً التي بقيت من أحد ضحاياه الجدد بينما كان يمسح ماسورة مسدسه. حتّى أن هاريس الأكبر سناً كان مستمتعاً بخيال أن يرتدي هو وشقيقه زي رجال الشرطة لإبلاغ والديّ الصبيين بشأن جريمتهما بحق أبنيهما، لمجرد الاستمتاع بالفجيعة التي من المؤكد أنهم سيشهدونها. تترك التفاصيل الشريرة المحضة لتصرفات روبرت في عصر ذلك اليوم القارئ مع موقف من الاستياء ( " الكراهية " وفق عبارات واتسون )، تجاه هاريس. ونفهم مقصد زملائه المحكومين بالإعدام في ادعائهم أنّ "هذا الرجل هو كيس من الحثالة التامة". بصرف النظر عن موقفنا الأخلاقي من عقوبة الإعدام، يشعر معظمنا بموقف سلبي تجاه هاريس بسبب كوكبة التصرفات التي كان يقصدها تماماً ويؤديها من دون اعتبار أخلاقي لضحاياه. علاوة على ذلك، من خلال تعاطف، يمكن لمعظمنا أيضاً أن يتصور بالإنابة مواقف الصدمة والحزن التي شعر بها الآباء عند سماع الأخبار. في الواقع، نعتقد أنّ مواقفنا التفاعلية كالاستياء والاشمئزاز لها ما يسوِّغها على نحو جيد.

لا نعلم هذا من مقال لصحيفة ما، لكن افترض أننا توصلنا إلى معرفة أنّ هاريس هو معتل نفسياً [ سيكوبات ]. لا يتطلّب هذا، في اعتقادي، توسيع خيالنا بشكل كبير… ). الصفحة ( 498 - 499 ).

13- ( إنّ القدرة على التمييز بين الأخلاقي والعُرفي في الفرض الثاني تؤدي دوراً كبيراً في هذه الحجة وتتطلب التوضيح. هذا هو الجزء المنخفض - التقنية في حجة ليفي الذي يشير إلى الدراسات التي تبحث في المصادر المتصورة للحجية الأخلاقية. تَستخدم الدراسة الأساسية التي استشهد بها ليفي أطفال المدارس الابتدائية كمجموعة معيارية. تُطرح على الأطفال مجموعتان من الأسئلة التي تميّز الأخطاء العُرفية فحسب (تلك التي يُزعم أنها تدور حول المعايير الثقافية الاجتماعية ) من الأخطاء الأخلاقية ( تلك التي يُزعم أنها تدور حول بعض المصادر التي تتعلى عن مجرّد المعايير الثقافية الاجتماعية - وهذا غير واضح ). تسأل المجموعة الأولى الأطفال (سؤالاً غير ملائم سياسياً باعتراف الجميع) هل من المقبول أن يرتدي الصبيان الفساتين في المدرسة، وكانت إجابة الأطفال "كلا". "ماذا لو قال معلمك أنه ليس من الخطأ أن يرتدي الصبيان الفساتين في المدرسة؟ هل سيكون مسموحاً به عندئذ؟" هنا أجاب الأطفال، "نعم". وعليه فإنّ ارتداء الفساتين يرتبط بـ ( ما يسمى ) المعايير العُرفية، التي يمتلك المعلم السلطة عليها في نظر الأطفال. وتسأل المجموعة الثانية من الأسئلة الأطفال هل من الخطأ سحب شعر زميلك في الفصل الدراسي، فكانت إجابة الأطفال "نعم". "ماذا لو قال معلمك أنه ليس من الخطأ أن تسحب شعر زميلك في الفصل الدراسي؟ هل سيكون جائزاً عندئذ؟" هنا أجاب الأطفال "كلا". يرتبط سحب الشعر بالمعايير الأخلاقية التي لا يمتلك المعلم سلطة عليها في نظر الأطفال. من هنا، فإنّ الأطفال يمتلكون القدرة على التمييز بين العُرفي والأخلاقي. بينما لا يمتلكها المعتلون نفسياً، ويبدو أنهم يعتقدون أنه إذا سمحت السلطة بسحب الشعر، فليس هناك خطأ أخلاقي في القيام بذلك. من هنا، يشير ليفي ببراعة إلى أنّ جميع الأفعال الخاطئة هي مجرّد أفعال خاطئة عُرفياً في نظر المعتلين نفسياً. ويمضي ما تبقى من الحجة على النحو التالي: يُخفق المعتلون نفسياً في تلبية شرط المعرفة للمسؤولية الأخلاقية، وبالتالي، ليسوا فاعلين مسؤولين أخلاقياً. هذه هي حجة ليفي المفاهيمية عن المعرفة الأخلاقية. دعونا ننتقل الآن إلى الأدلة التجريبية الداعمة وننظر في أدمغة المعتلين نفسياً. وابقوا مطمئنين، سننظر لاحقاً كذلك في الطريقة التي ننظر بها إلى أدمغة المعتلين نفسياً ). الصفحة ( 504 - 505 ).