رحلة هذا الشهر مع هذا الكتاب كانت ممتعة مليئة بالرسائل الإيجابية التي نصل إليها بمجرد التنقل من قصة لأخرى.
الكتاب يأخذك بعيدا عن كل ما يجول بذهنك لتصبح كليا حاضرا بين هذه الحالات المرضية، وتتعايش وتتخيلها تفصيليا.
هذا الكتاب من الكتب القلائل التي قرأتها وفصلتني عن العالم وعن مشاكله، وكأنك بعالم آخر.
أوليفر ساكس طبيب أعصاب بريطاني، شاركنا من خلال كتابه بحالات مرضية مرت عليه أثناء عمله، والجميل بالأمر أنه لم يتناولها بطريقة علمية بحتة ولكن بطريقة إنسانية أولا، استطاع أن يثبت بكل حالة من هذه الحالات العلاقة المركبة بين الجسد والذهن والعقل، ولا يجب معالجة أحدهم بمنأى عن البقية.
تناول الطبيب كتابه من خلال أربع أجزاء
- الجزء الأول: متعلق بالأمراض الناجمة عن عجز أو فقد أو ضعف بالوظيفة العصبية مثل العمه وفقد الكلام وفقد الذاكرة وغيرها، وكعلاقة بين العقل والدماغ كما تصور فرويد ظهر كعلم جديد بعد الحرب العالمية الثانية على يد مجموعة من الأطباء على رأسهم أ. ر. لوريا، وسُمي بعلم النفس العصبي (سيكولوجية الأعصاب) وبداية من حالة الدكتور بي الذي أصيب بالعمه الإبصاري والبحار الذي فقد ذاكرته وتوقفت عند عام 1945 وكل هذه الحالات بهذا الجزء، يعود السبب لخلل في جزء معين من الدماغ. ورغم صعوبة هذه الحالات فعليا وتعقيدها لكن الكاتب جعلني ألمس قدرة المريض على التكيف مع المرض ومحاولته المستميتة لإيجاد حل لحالتهم الصحية للتكيف معها والتعايش. وكأن المرض يجعل الشخص قادرا على اكتشاف ذاته بشكل أكبر.
- الجزء الثاني: يتناول الحالات المرضية الناجمة عن الإفراط في وظيفة عصبية معينة، وهذا النوع من الاضطرابات لم تلقى اهتماما بالدراسة، والغريب أن هذا الإفراط يضيف لهم ميزة معينة، أتذكر من هذه الاضطرابات متلازمة توريت، وداء كيوبيد حيث أتت سيدة لأوليفر ساكس بالتسعين من عمرها وتتصرف بنشاط وحيوية وكأنها شابة بالعشرين وكانت سعيدة بهذا الحالة حتى أدركت أنها تعاني من مشكلة لأن هذه الحالة لا تتناسق تماما مع عمرها.
- الجزء الثالث: مختلف نوعا ما عن الجزئين الأوليين فالمرضى بالجزئين الأول والثاني يمكنهم تمييز مرضهم من الأعراض التي يصابون بها على عكس الحالات النقلية بالجزء الثالث وسمة هذه الحالات تذكر الماضي والتخيل والإدراك المعدل، وكانت أحد الحالات المثيرة سيدة بعمر 88 كان ذهنها مثل راديو يشغل أغاني كانت تسمعها بصغرها وحوارات وأصوات لأشخاص كانت بالماضي وهي صغيرة، ربما هذا يوضح لنا أن كل ما نمر به بحياتنا من مواقف وتفاصيل قد لا نتذكرها هي موجودة بجزء ما من دماغنا.
- الجزء الرابع: والأخير هو لحالات خلل عقلي لكن عندهم إمكانيات استثنائية مثل قصة التوأمين وقدرتهم الاستثنائية على رؤية الأعداد وغيرهم من الحالات.
وهناك فيلم قد تم اقتباسه من واقع تجربة أوليفر ساكس بعنوان الاستيقاظ Awakenings بعام 1990 ولقد قام بدور الطبيب أوليفر ساكس الممثل روبن وليامز.
ومن خلال هذا الكتاب يمكننا رؤية تعقيد الدماغ بشكل غير طبيعي، فهناك مليارات التشابكات، وكل جزء مسئول عن وظيفة معينة، فمثلا الرؤية وكيف نرى الأشياء وبداية من التقاط الصورة ومعالجتها وكل هذه الأمور المعقدة. والعلاقة بين الدماغ والعقل، وقدرة الإنسان على التكيف واكتشاف ذاته بشكل مدهش، وحتى قدرته على مساعدة نفسه وخلق طرق وسبل للتغلب على هذا المرض، أتذكر حالة في الكتاب كان صاحبها رجل مسن واستطاع أن يخترع وسيلة تسهل عليه مرضه والتعامل معه بل التغلب عليه أيضا بذكاء وإصرار.
إن كنت قرأت الكتاب ما هي أكثر الحالات المرضية التي تعاطفت معها ولماذا؟
وإن لم تقرأه بعد ما هو شعورك تجاه الأفراد المختلفين -ولن أقول المرضى- بالمجتمع، وهل ينصفهم المجتمع ويدعم حقوقهم؟
وأخيرا
هذه المساهمة للتصويت من أجل اختيار الكتاب القادم، ويمكنك أيضا إضافة مقترحات أخرى بالتعليقات.
التعليقات