فليبدأ النحيب

ببداية هذا الشهر، تكون مرت ثلاث سنوات منذ أن بدأت جدياً في تعلم البرمجة، رحلة تمددت إلى أن وصلتُ لهذا اليوم و لا أزال لا أستطيع القول بأنني خرجتُ من دائرة المبتدئين.

لماذا؟

التسويف.

بالطبع هناك عشرات الأسباب الأخرى التي عرقلت تعلمي، لكن لأكون صادقاً، لو أن هذه الأسباب أُزيحت جميعها، و بقي التسويف فقط، لما تغير الأمر كثيراً - في الحقيقة، أبداً.

يقولون أن أفضل طريقة لتثبيت معلومة ما، هي أن تشرحها للآخرين، لزملائك المهتمين بنفس المعلومة. لوقت طويل لم أكن أُعير هذا الكلام انتباهاً، بل كانت لدي فكرة معاكسة له تماماً: "إن لم تكن تتقن شيئاً ما، لا تتحدث عنه.". و عندما تعلم أنه لا أحد يصل فعلياً لدرجة الإتقان 100%، تتضح الدائرة المفرغة -غير الواقعية- التي كنتُ أدور فيها.

قبل عدة أسابيع تعرفتُ على شاب، لا أدري هل أقول صديق، زميل أم مجرد شخص آخر لدي رقم هاتفه. هذا الشاب إن أردتُ أن أصفه لكم بواقعية و وضوح، فلا استطيع سوى بأن أستلف هذه العبارة من الشقيقة الإنجليزية:

ON FIRE!

و هو على هذه الحال 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع.

منذ أن انزلق لساني بالحديث عن معرفتي للغة برمجية هو يرغب بتعلمها بشدة، و هو لا يكف عن تقليب مصادرها صباح مساء، و يسألني عن ما يقف في طريقه، بل و حتى هو مستعد لدعوتي للمبيت عنده لنسهر في جزئية ما لم يفهمها.

و لكي لا يُساء الفهم، فسؤاله ليس ذلك السؤال المُلِح الذي قد يجد إجابته عند أول نتيجة في Google، و لا السؤال الذي يأتي كل دقيقتين لأنه نسي إغلاق قوس أو أخطأ في كتابة كلمة، بل إن أسئلته عميقة لدرجة أنني أحتاج للبحث بنفسي قبل أن أفهم السؤال، دعك من أن أجيبه عليه.

عادة عندما يسألني أحدهم عن أشياء كهذه، أشياء فقدتُ حماستي لتعلمها و العمل بها، فإنني أصاب بالضيق و الضجر، لأنها تذكرني بكمية الوقت الذي ضيعته في الماضي، لكن في هذه الحالة بالذات، كان الأمر مختلفاً، معكوساً في الحقيقة. أصبحتُ أكثر شغفاً بتطوير نفسي و الخروج من دائرة المبتدئين، و نفضتُ الغبار عن أفكار كانت على الرف لزمن طويل، و أهم ما في الأمر أنني تذكرتُ أخيراً لماذا اخترت مجال الحاسوب لأدرسه في الجامعة للخمس سنين القادمة.

الرجل مصاب بعلة تسمى الحماس، علة نقلها إليّ على حين غرة، و ستُعيينا هذه العلة للسنين القادمة، فلا أفلح مُداوينا!