عندما كنا صغاراً لم يخبرونا أن ما من شيء مضمون في الدنيا، ولم يخبرونا أنه من الممكن ألا نصل إلى ما نريد، ولكن أخبرونا بأن الحياة جميلة وبالأمل تحلو الحياة وتطيب..

وعندما تقدم بنا العمر وجدنا ما يشيب له الولدان، وجدنا تعباً ومشقة وجهداً مبذولاً فوق الطاقة، ووجدنا أناساً آخرين لا يتعبون ولا يجتهدون، وتأتيهم الدنيا أسفل أقدامهم ساجدة، وجدنا من يملك سلطة أو مالاً أو علاقات، وبالطبع السلطة والعلاقات يأتون من أجل المال..

ووجدنا المال يتحكم في كل شيء، واصطدمنا بالواقع المزري المقزز، الذي يجعل منك شخصاً مرموقاً أو حيواناً لا يفعل شيئاً غير ركوضه خلف المال طمعاً في السلطة والعلاقات أو طمعاً في أن تصبح إنساناً لا حيواناً، أي أنك لكي تبقى إنساناً عليك أن تكون حيواناً تأكل من يد هذه بعد أن تقبلها وتطأطئ رأسك لهذه من أجل حفنة نقود، وتسرق من هذا، وتكذب على هذا، وتستمر في فعل ذلك طمعاً في الوصول إلى حياة رغيدة لك ولأسرتك.. 

ولكن يمر بك العمر وأنت حيوان شهواني تعبد المال، وتتمسح وتتضرع عند أي شخص عنده المال لكي يمن ويجود عليك بقليل القليل، ولم يبقَ لك كرامة أو عزة نفس كل شيء مباح من أجل الوصول إلى المال اعتقاداً منا أن المال هو الوسيلة الوحيدة لكي تكون إنساناً.

ووجدنا من يلهو ويعيش عبثاً ناجح ومتفوق ومن يشقى ويتعب في أسفل المنازل، من يحافظ على كرامته وعزة نفسه يعيش تعيساً لا يملك من الدنيا غير عدة مبادئ غطاها التراب في زمن لا مبدأ به، ويسخرون ممن عنده مبدأ ويجعلونه أضحوكة، وهو يظل تعيساً ولا يتنازل عن مبادئه لا يأكل ولا يشرب، وأن مرضاً لا يجد تكلفة دوائه وعلاجه ويظل السؤال من منهم على صواب، هل هو من تنازل وعاش عبداً للمال وجعل من المال سيد له، أم من تمسك وحافظ على كرامته ولا يملك ثمن علاجه ومصاريف أسرته وأبنائه.

أما من جعل من صاحب المبدأ أضحوكة وهو في يده إسعاده وجعل من المنافق الكاذب رجلاً ذا قيمة، ولماذا يريد أصحاب المال البشر عبيداً لهم..