بين الافتقار إلى الله وخطر التخلية: تأملات في دعاء النبي ﷺ وكلام ابن القيم

تمهيد:

قال النبي ﷺ في دعائه المشهور:

«يا حي يا قيُّوم، برحمتِك أستغيث. أصلح لي شأني كلَّه، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» (رواه أبو داود وحسنه الألباني)

وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله –:

"كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه، وولد لا يعذره، وجار لا يأمنه، وصاحب لا ينصحه، وشريك لا يُنصفه، وعدو لا ينام عن معاداته، ونفس أمّارة بالسوء، ودنيا متزينة، وهوى مردٍ، وشهوة غالبة، وغضب قاهر، وشيطان مزيّن، وضعف مستولٍ عليه؟ فإن تولاه الله، وجذبه إليه، انقهرت له هذه كلها، وإن تخلّى عنه، ووَكله إلى نفسه، اجتمعت عليه، فكانت الهلاك. (الفوائد، ص48)

التأمل في المعنى:

1. النفس ليست مأمونة ولو لطرفة عين

النبي ﷺ، وهو أكمل الناس إيمانًا، يسأل ربه ألا يَكِلَه إلى نفسه ولو مقدار رمشة عين!

فكيف بنا؟ ونحن الذين نُخطئ إن أُعطينا زمام أنفسنا؟

قال الحسن البصري:

"ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق."

إن النفس تأمر بالسوء كما قال الله تعالى:

{ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّیۤۚ }

[يوسف: 53]

2. محاصرون من داخل ومن خارج

ابن القيم يُعطينا صورة مؤلمة لحال الإنسان:

  • من داخله: نفس، شهوة، هوى، غضب، ضعف.
  • ومن خارجه: زوجة لا ترحمه، ولد لا يعذره، صاحب لا ينصحه، عدو لا ينام، دنيا تفتنه، شيطان يزيّن له.

فكيف ينجو؟ كيف يسلم؟

الجواب في كلمتين:

"فإن تولاه الله…"

إذا تولاه الله، أذلّ له كلّ تلك الأعداء، وانقلبت ضده إلى طوع له، وانكفأت عنه فتن الدنيا، وسكنت نفسه، وثبت قلبه.

قال تعالى:{ ٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257]

وإن لم يتولّه الله؟

اجتمعت عليه البلايا من كل جهة، ولم يُحصّن من الداخل ولا من الخارج، فكان كما قال ابن القيم:

"فكانت الهلاكة."

ولذا كان السلف دائمًا يستعيذون بالله من النفس، ويفرّون من ثقتها، ويعلمون أن كل انكسار وافتقار يقرب من الله، وكل إعجاب بالنفس مدعاة للهلاك.

الدروس العملية:

  1. الدعاء المستمر
  2. لا تتوقف عن قول: "اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين."
  3. إياك أن تركن إلى نفسك أو حولك أو ذكائك
  4. مهما بلغت من علم أو خبرة، فتوفيق الله هو الأصل.
  5. النجاة في التولي لا في التكلّف
  6. الذين يتوكلون على الله، يُولّيهم الله، ويحفظهم، ويهديهم، ويكفيهم.
  7. قال تعالى: { وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُ } [الطلاق: 3]

ختامًا:

كلنا بين قوتين:

إما أن يتولانا الله فنثبت، أو نُوكَل إلى أنفسنا فننكسر.

فأكثر من الدعاء، وافتقر إلى الله في كل وقت، كما افتقر إليه نبيه ﷺ،

فما أحوجنا إلى هذا الدعاء في زمان تتكاثر فيه الفتن وتضعف فيه القلوب:

"ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين."