من مفسدات القلوب (كثرة النوم)

القلب هو ميزان العبد في حياته، فكلما كان يقظًا وحيًّا بذكر الله، كلما استقام حال الإنسان وسار في طريق الطاعة، لكن حين يغلب عليه الكسل والغفلة، يفقد نشاطه، وتقل عزيمته، ويضعف إيمانه. ومن الأمور التي تفسد القلب وتجعله خامدًا غير واعٍ لكلام الله وكثرة ذكره، كثرة النوم.

لماذا تكون كثرة النوم مفسدة للقلب؟

1. إضاعة العمر فيما لا ينفع

العمر هو رأس مال الإنسان، والنوم الطويل يأكل من هذا العمر بلا فائدة، فيجد الإنسان نفسه في غفلة عن العبادات والطاعات.

2. يضعف الهمة ويثقل النفس عن الطاعة

القلب عندما يعتاد على النوم المفرط، يصبح ضعيفًا أمام أداء الصلاة في وقتها، أو قيام الليل، أو حتى الاستيقاظ المبكر للعمل والعبادة.

3. يُقسي القلب ويزيد الغفلة

النوم المبالغ فيه يجعل الإنسان يعيش في سبات دائم، فلا يتدبر آيات الله، ولا يتأمل في خلقه، ولا يشعر بحاجة قلبه إلى الإيمان واليقظة.

4. يضيّع على الإنسان بركة الوقت

قال النبي ﷺ: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"، والبركة في الساعات الأولى من النهار، بينما كثير النوم يفقد هذه البركة ويبدأ يومه متأخرًا، متكاسلًا.

5. يُميت العزيمة والإرادة

الشخص الذي ينام كثيرًا يعتاد على الكسل والخمول، فيجد نفسه غير قادر على اتخاذ قرارات قوية، أو السعي لتحقيق أهدافه.

كيف يتجنب المسلم كثرة النوم؟

1. الاعتدال في النوم

خير الأمور أوسطها، فلا إفراط ولا تفريط، والنوم الطبيعي يكون بين 6-8 ساعات يوميًا.

2. النوم المبكر والاستيقاظ المبكر

قال النبي ﷺ: "كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها" (رواه البخاري)، فالنوم المبكر يساعد على الاستيقاظ بنشاط.

3. الحرص على قيام الليل وصلاة الفجر

من تعود على القيام، وجد في نفسه قوة روحية تمنعه من الغفلة وكثرة النوم.

4. الانشغال بالأعمال الصالحة والناجحة

القلب المشغول بطاعة الله والقراءة والتعلم والعمل النافع، لا يجد وقتًا للنوم الزائد.

اقتباسات:

أحصى أبو حامد الغزالي عواقب كثرة النوم فقال:" وفي كثرة النوم: ضياع العمر، وفوت التهجد، وبلادة الطبع، وقساوة القلب، والعمر أنفس الجواهر، وهو رأس مال العبد فيه يتجر، والنوم موت، فتكثيره يُنقص العمر، ثم فضيلة التهجد لا تخفى، وفي النوم فواتها ".
ومما يعين على قلة النوم: التعامل مع الساعة البيولوجية بحكمة، فإن وظائف الجسم في الإنسان تستطيع أن تتكيف مع أي عدد من ساعات نومه، ولن يشبع أحد من كثرة النوم، لكن العاقل هو من أعطى جسمه راحته دون إفراط أو تفريط.
ومما يعين على قلة النوم: النوم على الشق الأيمن، " وقد قيل: إن الحكمة في النوم على الجانب الأيمن أن لا يستغرق النائم في نومه لأن القلب فيه ميل إلى جهة اليسار، فإذا نام على جنبه الأيمن طلب القلب مستقره من الجانب الأيسر، وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه بخلاف قراره في النوم على اليسار، فإنه مستقره، فيحصل بذلك الدعة التامة، فيستغرق الإنسان في نومه ويستثقل، فيفوته مصالح دينه ودنياه ".
ومما يعين على قلة النوم: همُّ الخوف من النار، فقد كان طاووس يفترش فراشه ثم يضطجع عليه فيتقلب كما تقلى الحبة على المقلى ثم يثب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول: طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين
" وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه، ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه، وكلما قرب النوم من الطرفين قلَّ نفعه وكثر ضرره، ولا سيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران، ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، فينبغى أن يكون نومها كنوم المضطر وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول وسدسه الأخير، وهو مقدار ثمان ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه، ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء، وكان رسول الله يكرهه، فهو مكروه شرعا وطبعا ".
ومكافأة أخرى عظيمة لمن نام وهو يذكر ربه نقلها لنا أبو أمامة رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من أوى إلى فراشه طاهرا وذكر الله تعالى حتى يُدركه النعاس، لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله شيئاً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه »
يا طويل الرقاد والغفلات... كثرة النوم تورث الحسرات. إنَّ في القبر إن نزلت إليه... لرقادا يطول بعد الممات. ومِهادا مُمَهَّدا لك فيه... بذنوب عملت أو حسنات.
قال صلى الله عليه وسلم:« ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها ».أي أن النوم وشدة الغفلة والاسترسال في الكسل ليست طرق الهارب من جهنم والطالب للجنة

الخاتمة:

كثرة النوم ليست مجرد عادة، بل هي باب من أبواب الغفلة، فإن لم يحاسب الإنسان نفسه، وجد نفسه بعيدًا عن الله، ثقيلًا عن الطاعات، غارقًا في الكسل. واليقظة الحقيقية ليست فقط في الاستيقاظ من النوم، بل في يقظة القلب من الغفلة، فطوبى لمن استيقظ باكرًا ليعبد الله، وطوبى لمن استيقظ قلبه قبل أن يستيقظ جسده!