مقدمة عامة

مما لا شك فيه أن مجتمعاتنا المعاصرة تشهد تزايدا في حدة المشكلات الاقتصادية 

، و الاجتماعية في ظل تراجع مواردها، و توسع مهامها، و زيادة حجم انفاقها ،خاصة في ظل الظروف العالمية الراهنة، التي تشهد تذبذبات في كل المجالات خاصة المجالات الاقتصادية، الأمر الذي قد يؤدي بها إلى صعوبة تغطية احتياجاتها و مشكل تفاقم العجز الموازني لها، 

و وقوعها في معضلات من الصعب الخروج منها.

   و لما كانت الموازنة العامة في الدولة أداة مالية بيد الدولة فقد أدى توسع نشاط الدولة، و تدخلها في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية إلى زيادة حجم الانفاق الحكومي، و بالتالي زيادة الأعباء المالية للدولة مما أدى إلى حاجة الدولة إلى موارد إضافية ، و مصادر جديدة للإيرادات العامة.

  و يبدوا الحديث عن أهمية الزكاة أحد أهم الأنظمة المالية، التي يمكنها تخفيف العبء عن كاهل الدولة من خلال التكفل بنفقات تخصصها في موازنتها، و التي بدورها توجه لفئات معينة من المجتمع تهدف لزيادة الدخل، و رفع المستوى المعيشي لهذه الفئة في شكل نفقات تحويلية مباشرة.

  الزكاة فريضة ربانية، و هي ركن من أركان الاسلام و أحد أفضل أدواته المالية الفعالة في إعادة توزيع الدخل، و الثروة ،و المساواة بين أفراد المجتمع بشكل مباشر، حيث نجد دورها يتمثل أساسا في إدارة الاموال داخل المجتمع الاسلامي، بالإضافة إلى ذلك هي أداة مؤثرة في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي ، و التفاعل الاجتماعي باحتوائها على جملة من الخصائص و المميزات من تعدد مصادرها و تجدد مواردها سنويا.

  تمكّن الزكاة من تخطي العقبات عن طريق تمويل التنمية، و تفادي ذل المديونية و ذلك لأن تحصيل الزكاة لا يرتبط بأي حال من الأحوال الحاجة لإيرادات عامة من غيره بل تتجدد باستمرار حتى في حالة وجود فوائض مالية ، و عليه فإن دراسة الأثر المالي للزكاة على الموازنة العامة أمر في غاية الأهمية .

  من خلال ما تم عرضه سابقا يمكن طرح الاشكالية التالية:

اشكالية البحث:

ما هو أثر الزكاة على الموازنة العامة في الجزائر ؟

من خلال السؤال المحوري تتبلور معالم اشكاليتنا في أسئلة فرعية يمكن صياغتها كما يلي:

كيف يمكن للزكاة أن تؤثر على الموازنة العامة ؟

هل يمكن لحصيلة أموال الزكاة التخفيض من نسبة الانفاق العام في الموازنة ؟

ما واقع أموال الزكاة في الجزائر؟

ماهي انعكاسات تطبيق الزكاة على الموازنة العامة للدولة؟

فرضيات البحث:

انطلاقا مما سبق ذكره يمكن صياغة الفرضيات التالية:

تؤثر الزكاة على الموازنة العامة للدولة، من خلال مساهمة حصيلتها في تخفيض الانفاق و رفع الايرادات العامة للدولة؛

تساهم عائدات الزكاة في التخفيف من العجز الموازني، حيث ينعكس تطبيق الزكاة على الموازنة العامة للدولة بالشكل المطلوب بنتائج ايجابية.

أهمية البحث:

يكتسي البحث أهمية، تلخص في النقاط التالية:

- ضرورة تحسين الوضعية الحالية الزكاة في الجزائر و ذلك بإحياء و ابراز دورها في الحياة الاقتصادية؛

- يتطلب على الباحثين لفت الانتباه إلى هذا النوع من الأدوات المالية الاسلامية و وضع الدولة لقوانين تحميها من الفساد؛

- تعاني الزكاة في الجزائر من تهميش يجب تداركه في ظل البيئة المتحركة للاقتصاد العالمي الحديث؛

- إعطاء فرصة لمؤسسات الزكاة التي باستطاعتها المساهمة في التنمية، و دفع عجلة الاستثمار في الجزائر في ظل تراجع مواردها و انخفاض عائداتها.

أسباب اختيار الموضوع:

من بين الأسباب التي دفعتنا لاختيار الموضوع ما يلي:

دافع شخصي تمثل في محاولة معرفة التعرف على دور الزكاة في الاقتصاد؛

الرغبة في البحث في مواضيع الاقتصاد الاسلامي بصفة عامة، وموضوع الزكاة بصفة خاصة؛

التعمق في البحث حول أثر تطبيق الزكاة على الموازنة العامة، وما ينتج عنه من فوائد على المجتمع؛

محاولة معرفة مدى نجاعة أموال الزكاة في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية؛

عدم اهتمام الباحثين بالزكاة كأحد أهم الأدوات المالية الفعالة في التنمية الاقتصادية ، و الاجتماعية.

أهداف البحث:

يسعى هذا البحث إلى إدراك الأهداف التالية:

التعريف بصندوق الزكاة الجزائري، و أهم النتائج التي حققها منذ انشائه؛

تبيان أهمية الزكاة كأداة مالية في الاقتصاد الاسلامي، و دورها الفعال في معالجة الواقع الاقتصادي؛

تسليط الضوء على أهمية نظام الزكاة، و استخدامها في علاج عجز الموازنة العامة للدولة؛

تقييم صندوق الزكاة و إبراز أثره على الموازنة العامة.

مقدمة الفصل الأول

   الزكاة ركن من أركان الاسلام تؤثر في مختلف الأنشطة الاقتصادية ، و الاجتماعية

 و ترتبط بإدارة الأموال في المجتمع الإسلامي .

  على غرار الأنشطة الاقتصادية، تمتاز الزكاة بتعدد ايراداتها و مصادرها، و أوجه مصارفها، و كفاءة نظامها القائم على تخصيص الموارد، و محلية الإنفاق، لذلك تفرز الزكاة بصفة دورية آثارا اقتصادية و اجتماعية غاية في الأهمية، تختلف باختلاف مرادها كالقضاء على الاكتناز و الأنانية و طغيان المال على صاحبه ، فالزكاة أداة مالية تسهم في ازدهار المجتمع و الدولة من كل الجوانب.

  و من أجل تطبيق هذه الفريضة الربانية، تعين على العديد من الدول الاسلامية إقامة

 و إنشاء مؤسسات الزكاة، لكي تسهل عملية تحصيل الزكاة و توزيعها للفئات المستحقة لها.

للإحاطة بكل ما يتعلق بالزكاة تناولنا في هذا الفصل مبحثين .

-المبحث الأول: الإطار النظري للزكاة؛

- المبحث الثاني: مؤسسات الزكاة المعاصرة.

المبحث الأول :الإطار المفاهيمي للزكاة

الزكاة ركن من أركان الإسلام، و هي الفريضة الوحيدة ذات الطابع المالي، يلتزم المسلمون بأدائها طوعا أو كرها، و قد ثبت ذلك في الكتاب و السنة و الإجماع.

المطلب الأول: مفهوم الزكاة و أنواعها

إن للزكاة اسمين: الأول يتمثل في المعنى أي إخراج الزكاة، و هذا الاسم يطلق على الفعل ذاته و هو تزكية المال، أما الاسم الثاني فيتمثل في المضمون، أي تطلق على العين المزكى بها ،و يعني ذلك الجزء من المال الذي يتم إخراجه كزكاة.

و الزكاة نوعان :زكاة المال و زكاة الفطر، سيفصل هذا المطلب الكلام السابق في العناصر التالية.

الفرع الأول: مفهوم الزكاة

يختلف مفهوم الزكاة اللغوي عن المفهوم الشرعي، و عن المفهوم الاقتصادي، هذا ما سيتم توضيحه في هذا الفرع بتوضيح المعنى ، لغة، شرعا و اقتصادا.

أولا: التعريف اللغوي للزكاة

أصل الزكاة في اللغة الطهارة و النماء و المدح، و كله قد استعمل في القرآن الكريم و الحديث الشريف، فالزكاة من مصدر زكا الشيء إذا نما و زاد ،و زكا فلان إذا صلح، و هي ترد أيضا بمعنى التطهير فالزكاة هي البركة، و النماء

، و الطهارة، و الصلاح.

ثانيا: الزكاة في الشريعة

تعرف الزكاة في الشريعة على أنها قدر معين من النصاب الحولي، يخرجه الغني المسلم الحر لله تعالى للفقير المستحق، مع قطع المنفعة عنه من كل وجه.

ثالثا :التعريف الاقتصادي للزكاة

تعرف الزكاة في الفكر الاقتصادي على أنها : " فريضة يتم اقتطاعها من طرف الدولة أو من ينوبها من الأشخاص العامة أو الأفراد، قصرا و بصفة نهائية، دون أن يقابلها نفع معين ، تفرضها الدولة طبقا للمقدرة التكليفية للممول، و تستخدمها في نفقات المصارف الثمانية المحددة في القرآن الكريم. 

الفرع الثاني: أنواع الزكاة

الزكاة نوعان: زكاة المال، و زكاة الفطر.

أولا: زكاة المال 

تجب زكاة المال على الشخص المسلم الحر البالغ العاقل، لأنها عبادة لا تجب إذا انتفى أصل الإيمان، ولا تجب على العبد لأنه لا يملك، ويرى البعض أنها تجب في مال الصبي ،ولا تشترط النية لأنها دين لله تعالى و هي زكاة تتعلق بالمال من الزروع و الثمار، 

و الأنعام ، و الأثمان و عروض التجارة.

ثانيا: زكاة الفطر

 فرضت زكاة الفطر على المسلمين في كل عام عقب إكمال صيام رمضان، وأضيفت الزكاة للفطر، كونها تجب بحلول الفطر من رمضان و تختلف عن زكاة المال كونها من جنس البدن ، إذ تعد مرتبطة بجميع الأشخاص، حيث الغرض منها هو تطهير النفس من الفساد ، وتزكية الأرواح من خبائث الأخلاق، وطعمة للمساكين ليشاركوا الأغنياء في الفرح والسرور ذلك اليوم، و يمكن تعرفها كما يلي:

زكاة الفطر هي الزكاة التي تخرج عند الفطر من رمضان، و سميت بذلك لأن الفطر هو سببها، و قيل سميت بذلك لأنها الفطرة بمعنى الخلقة.

المطلب الثاني: خصائص الزكاة و حكمها الشرعي

الزكاة هي الركن الثالث للعقيدة الإسلامية، فرضت في السنة الثانية من الهجرة، تتميز بالعديد من الخصائص، و السمات، و قد فصلت الشريعة الاسلامية بمصادرها المختلفة من قرآن، وسنة، و إجماع في حكمها الشرعي.

الفرع الأول: خصائص الزكاة

من خلال التعاريف المختلفة للزكاة، سواء في المعنى اللغوي أو الاصطلاحي أو الاقتصادي يمكن تناول العديد من الخصائص التي تتميز بها الزكاة و المتمثلة في: 

الزكاة فريضة مالية و عنصر إجباري: سبق الذكر أن الزكاة تعتبر أحد الدعائم الخمسة للإسلام فهي فريضة ثابتة من الكتاب و السنة و إجماع الأمة تجب على كل مسلم بالغ عاقل، مالك لملكية تامة.

معلومية الزكاة :هو أن الزكاة حق معلوم و ظاهر في مال المزكي بشكل إجباري و مستقر و ذلك طبقا للقواعد، و الأحكام التي حددها رسول الله ( صلى الله عليه و سلم)، حيث تنتقل ملكية الزكاة من مالكها الأصلي إلى ملكية المزكي، أين تصبح حقا له استنادا لقوله تعالى " و الذين في أموالهم حق معلوم ".

مرونة الزكاة: يتميز النظام المالي للزكاة بالمرونة سواء في الصرف

أو التحصيل، و من مسايرة للأنظمة الحديثة ( الضرائب ).

الزكاة أداة للتطهير: فهي تطهير لنفس الفقير و المحتاج من رذيلة الحقد، و داء الحسد و آفة البغضاء.

الزكاة أداة لتحقيق التكافل الاجتماعي: فهي من جهة تحقق التكافل المادي ، و الذي يتمثل في تجسيد المساواة بين أفراد المجتمع ،و من جهة أخرى تحقق التكافل المعنوي حيث تنمي الروح الاجتماعية بين أفراد المجتمع.

إحالة الازدواجية في الزكاة: و يعني عدم خروج الزكاة من نفس المال مرتين.

الزكاة تتصف باليقين: كونها تستمد أحكامها من الكتاب، و السنة النبوية.

الفرع الثاني: حكم الزكاة

الزكاة واجبة بالكتاب و السنة و إجماع الأمة، على كل مسلم حر مالك للنصاب، مستقر، مضى عليه الحول في غير المعشر.

أما الكتاب فجاء بقوله تعالى" و آتوا الزكاة " ، و في آيات كثيرة أمر الله فيها بأداء الزكاة ،

و أما في السنة حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنً النبي بعث معاذ إلى اليمن فقال: "أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تأخذ من أغنيائهم، فترد إلى فقرائهم " أخرجه الجماعة، و أما في الإجماع: فأجمع المسلمون جميعا على وجوب الزكاة إذا اكتملت الشروط، و اتفق الصحابة على قتال مانعيها.

المطلب الثالث: أهمية الزكاة و أهدافها

يترتب على إخراج الزكاة كونها عبادة من العبادات كالصلاة والصوم تحقيق الكثير من الفوائد نظرا لأهميتها، و أهدفها السامية ، و ذلك لحاجة الفقراء لها ، لذلك نجد العديد من الأهداف التي تحققها الزكاة فمنها التعبدية، الاجتماعية والاقتصادية،

الفرع الأول: أهمية الزكاة

الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة اقترنت بالصلاة في عشرات المواقع ، فهي تغرس الألفة و الحب في قلوب المسلمين ،و ترفع الحسد و الحقد من النفوس ، و هي لون من ألوان العبادات التي فرضها الله تعالى، و تأثيرها يمتد إلى المجتمع فهي واجب شرعي يحقق التكافل

و التضامن و المواساة في المجتمع.

و تقوم الزكاة بدور كبير في حل مشاكل الفقر في المجتمعات الإسلامية، فهي طهارة للنفس من الشح و البغض و طهارة لنفس الفقير من الحسد و الضغينة، و هي بالتالي طهارة

للمجتمع كله، ( أغنيائه و فقرائه ) من عوامل الهدم و التفرقة و الصراع و الفتن.

الفرع الثاني: أهداف الزكاة

مما لاشك فيه أن الحكمة من مشروعية فريضة الزكاة هو تحقيق الكثير من الأهداف السامية، التي تضمن لأفراد المجتمع الجمع بين سعادة الدنيا و الآخرة.

أولا: الأهداف التعبدية:

-الزكاة طاعة لله عز و جل؛

-الزكاة اطمئنان للنفس؛

-الزكاة تطهير للمال و تنمية له.

ثانيا: الأهداف الاجتماعية:

التآلف و المودة بين أفراد المجتمع؛

تنقية المجتمع من الآفات السلوكية؛

توفير أفراد منتجين للمجتمع؛القضاء على البطالة.

ثالثا: الأهداف الاقتصادية

زيادة الاستثمار و الدخل القومي؛

إعادة توزيع الدخل و الثروة؛

مساهمة الزكاة في ضبط التضخم؛

تحقيق التنمية الاقتصادية و محاربة الاكتناز.

المطلب الرابع: الأحكام المتعلقة بالزكاة

حدد الاسلام شروطا لوجوب الزكاة سواء في الشخص المزكي، أو في المال الذي تجب فيه الزكاة ، وذلك للتسهيل على صاحبها بغية مراعاة حق الفقير، كما بين أنّ كل شخص امتنع عن أداء الزكاة، معرض لعقوبة تختلف من شخص لآخر, هذا ما سيعرضه هذا المطلب.

الفرع الأول: الشروط الواجب توفرها في الشخص المزكي

لا تتحقق الزكاة إلا إذا توفرت على شروط يختص بعضها بالشخص الواجب عليه الزكاة

،و المتمثلة في: الاسلام ، النية، البلوغ و العقل، الحرية ، هذا ما سيوضحه هذا الفرع.

الإسلام: لا تصح إلا من المسلم أما الكافر فلا زكاة عليه، فالزكاة واجبة على المسلم أما غير المسلم فلا تجب عليه الزكاة، وهذا إجماع الفقهاء واستدلوا بحديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن، فقال ادعهم إلى شهادة

{ أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم ان الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم و ترد إلى فقرائهم}.

النية: و هي عزم المسلم دافع الزكاة في قلبه على أن المال الذي يدفعه هو زكاة ماله ابتغاء مرضاة الله تعالى، ولا تحتاج النية من الزكي إلى أن يتلفظ بلسانه فيقول للفقير هذه زكاة مالي، و إنما عليه أن يقصد في قلبه ويعزم في نفسه وسره على أنها زكاة ماله من غير حاجة إلى التلفظ بها. و لابأس أن يقدمها الزكي للفقير على شكل هدية ، بمناسبة تصلح للإهداء مادام أنه ينوي في قلبه أنها زكاة ماله، و الأصل في النية ان تكون عند الدفع إلى المستحق للزكاة شرعا ، أي أن تنوي ما تعطيه هو من الزكاة في حالة تسليمه للفقير، لأن ذلك الوقت هو وقت أداء العبادة لله تعالى بها ، وتيسيرا على الزكي، فقد نص الفقهاء على جواز النية عند عزل المال المخصص للزكاة .أو في حالة تسليم المقدار لإنسان ليوصله إلى أحد مستحقي الزكاة كوكيل عنه، وذلك اكتفاء بالنية الحاصلة عند فوز المال، وتمييز مقدار الزكاة منه .ولو أن الزكي عزل مقدار الزكاة من ماله ثم ضاع المال المعزول بتقصير منه ،أو بغير تقصير، وجب عليه إخراج غيره، لأن الزكاة لا تسقط عنه إلا إذا وصلت إلى المستحقين لها أو إلى العاملين عليها.

البلوغ و العقل: اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة على المسلم البالغ العاقل، واختلفوا في وجوب الزكاة في مال الصبي و المجنون.

الحرية: أجمع الفقهاء على وجوب أن يكون الشخص المكلف بإخراج الزكاة شخصا حرا غير مملوك، بناء على قاعدة أن ملكية المال يجب أن تكون تامة، و هذا ما لا يتوفر للعبد الذي ليس له حق في التمليك لانعدام حريته.

الفرع الثاني: المال الذي تجب فيه الزكاة

تجب الزكاة في الذهب و الفضة و الأوراق النقدية ، الأنعام ، البقر ، الابل و النغم ، الزروع و الثمار المستغلات الأجور، و الرواتب و أرباح المهن الحرة ،و سائر المكاسب، و عروض التجارة.

*أولا: الذهب و الفضة و الأوراق النقدية: أوجبت الشريعة الزكاة في الذهب، و الفضة، و هذا الواجب ثابت بالقرآن، و السنة، و الإجماع.

*ثانيا: الأنعام، البقر، الإبل و الغنم: وجبت الزكاة في هذه الأصناف دون سواها لأنها تكثر منافعها، و يطلب نماؤها بالدر، و النسل مع كونها مأكولة ففائدتها أكثر من غيرها.

*ثالثا: الزوع و الثمار: هي من الأموال الزكوية التي ثبت وجوب الزكاة فيها بالكتاب و السنة و الإجماع، لقوله تعالى "يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث تنفقون و لستم بآخذيه إلاَ أن تغمضوا فيه، و اعلموا أن الله غني حميد "البقرة 267 .

*ثالثا: المستغلات هي الأشياء التي أعدها الانسان للتأجير، و الاستفادة من أجرتها يقال لها المستغلات، لأنها تدر على صاحبها غلة و دخلا ، فهي كل ما أعد للإيجار كالعقارات ،و السيارات، و الحافلات، و الطائرات، و السفن التي تنقل الركاب أو رابعا: الرواتب و الأجور و أرباح المهن الحرة و سائر المكاسب :هذا النوع من المكاسب ذهب أغلب الأعضاء إلى أنه ليس فيه زكاة حين قبضه، و لكن يضمه الذي كسبه إلى سائر ما عنده من الأموال الزكوية في النصاب، و الحول فيزكيه جميعا عند تمام الحول.

*خامسا: عروض التجارة: يقصد بها كل ما تم إعداده لغرض البيع بقصد التجارة فيه، و تحقيق الربح.

الفرع الثالث: عقوبة مانع الزكاة

تتنوع عقوبة مانع الزكاة بتنوع الصنف حيث يختلف الامتناع عن أداء الزكاة من شخص لآخر، فهناك من يمتنع و ينكر بوجوب الزكاة جهلا ،و هناك من ينكر بوجوب الزكاة بخلا ،و هناك أيضا من يمتنع عن أداء الزكاة جحودا بفريضتها ، و تختلف عقوبة المنع من حالة لأخرى كالتالي:

من أنكر بوجوب الزكاة جهلا بها، و كان ممن يجهل ذلك لحداثة عهده بالإسلام ،أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار عرَف بوجوبها و لا يحكم بكفره لأنه معذور ؛

من منع الزكاة بخلا بها مع اعترافه بوجوبها لم يكفر بلا خلاف، و لكن يعزر

،و يؤخذ منه نصف ماله قهرا ،و ذلك لقوله صلى الله عليه و سلم " من أعطاها مؤتجرا فله أجرها و من منعها فإنَا آخذوه و شطر إبله ، عزمة من عزمات ربنا تبارك و تعالى لا يحل لآل محمد منها شيء.

من منع الزكاة جحودا بفريضتها: من منع الزكاة انكارا و جحودا لفريضتها فهو كافر، خارج عن الملة و يقتل كفرا.

المبحث الثاني: ماهية مؤسسة الزكاة المعاصرة

إن سلامة الجسم الاجتماعي، مرتبطة بحتمية وجود المؤسسات الناظمة للحياة السياسية، و الاقتصادية ،و الاجتماعية ، فحيث كانت المؤسسات حاضرة و مجسدة،

كان المردود فاعلا و سليما ، و من أجل ابراز دور المؤسسات في تنظيم الزكاة و جبايتها، عملنا على تقسيم المبحث إلى ثلاث مطالب، تطرقنا في المطلب الاول إلى مفهوم مؤسسة الزكاة ، مشروعيتها ، مهام مؤسسة الزكاة و شكل الهيكل التنظيمي لمؤسسة الزكاة. أما المطلب الثاني فهو اسقاط المطلب الاول على المطلب الثاني، من خلال ابراز التطبيق العملي لمؤسسات الزكاة بتقسيم مؤسسات الزكاة إلى مؤسسات تجمع الزكاة بقوة القانون، و مؤسسات تجمع الزكاة طواعية .أما المطلب الثالث فهو إبراز لأهم الفروق بين كلا المؤسستين.

المطلب الاول : ماهية مؤسسات الزكاة

من موجبات التطبيق المعاصر للزكاة وجود مؤسسات مخولة من ولي الأمر تتولى شؤون تحصيل الزكاة، و توزيعها وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، و قد اعتمدت بعض الدول العربية تنظيم الزكاة جباية و توزيعا على مجموعة من القوانين، و التشريعات، و التعليمات الإدارية ،و التنفيذية الخاصة بفريضة الزكاة ، على اعتبار الاسلام جعل الزكاة وظيفة للحكومة الاسلامية، كان لا بد من الانتباه إلى أهمية تناسق التنظيم الاداري لمؤسسة الزكاة مع النظام القائم، سنتطرق في هذا المبحث إلى ماهية مؤسسات الزكاة ،و إلى كيفية تطبيق فريضة الزكاة في العالم الاسلامي.

-الفرع الاول :مفهوم مؤسسة الزكاة

يختلف مفهوم مؤسسة الزكاة من المفهوم اللغوي و الاصطلاحي، سنعمل في هذا الفرع على تعريف مؤسسة الزكاة لغة و اصطلاحا، ثم تحديد مدلول الكلمتين معا اصطلاحا مما يلي:

أولا: المؤسسة لغة

المؤسسة مأخوذة من الأساس، و هو مبتدأ الشيء، و هو أصل البناء يقال أسست دارا إذا بنيت حدودها ، و رفعت من قواعدها، و في هذا بلا شك إشارة واضحة إلى أن المؤسسة في اللغة تدل على أصل كل عملية بارزة المعالم ، و مرسومة الحدود و الاهداف .

ثانيا: المؤسسة اصطلاحا

هي عبارة عن مجموع الهياكل و الابنية، و الادوات ينبغي أن يتوفر لها عدد من السمات حتى تتصف بالمؤسسة ، مثل التكييف، و الاستمرارية، و الاستقلالية، و الذاتية ، التماسك.

ثالثا: تعريف مؤسسة الزكاة اصطلاح.

وردت مجموعة من التعريفات لمؤسسة الزكاة كلها متقاربة المدلول، و تعرف على أنها:

مؤسسة خيرية تهدف إلى احياء فريضة الزكاة، و ترسيخها في أذهان المسلمين، و في معاملاتهم، و تحقيق مجتمع التكافل ، و التلاحم، و الوقوف إلى جانب أهل الفقر و الحاجة.

الفرع الثاني: مشروعية انشاء مؤسسة الزكاة

مؤسسة الزكاة كيان قانوني تحت اشراف الدولة التي تتولى جمع الزكاة، و انفاقها في مصارفها المختلفة وفقا لأحكام، و مبادئ الشريعة الاسلامية، و الحكمة من مشروعية انشائها تتمثل في النقاط التالية :

-أن مؤسسة الزكاة تعد من البنيات الأساسية للنظام المالي الاسلامي، في ظل الدولة الاسلامية التي تطبق شرع الله تطبيقا شاملا ؛

-الزكاة هي المورد الرئيسي لسد حاجات الافراد المحتاجين في المجتمع الاسلامي، كما أنها الوسيلة الاساسية لتحقيق التكافل الاجتماعي ؛

-وجود الكثير من المسلمين يحتاجون إلى من يحثهم على دفع الزكاة بكافة السبل،

و الوسائل، و الطرق؛

- مما يضفي على أهمية وجود مؤسسات الزكاة، أن جزءا من حصيلة الزكاة يحصل في نهاية الحول، و هذا الحول يختلف من مكلف لآخر فقد يكون هجريا أو ميلاديا؛

- و انطلاقا من المبررات السابقة يخلص الدكتور شحاتة إلى ضرورة و أهمية انشاء مؤسسات الزكاة ، لأن في ذلك تطبيقا لسنة الرسول صلى الله عليه و سلم لتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع، و امكانية سد حاجات مستحقي الزكاة طوال العام، و امكانية تمويل بعض الحاجات العامة التي غالبا ما يغفل عنها الافراد .

الفرع الثالث: مهام مؤسسة الزكاة

بصفة عامة تتولى مؤسسة الزكاة مهمة تحصيل الزكاة من المكلفين و انفاقها في مصارفها الشرعية و يتطلب ذلك القيام بما يلي:

إعداد و حصر و تسجيل للمكلفين بأداء الزكاة، حتى يتسنى للعاملين عليها مطالبتهم بالزكاة المستحقة عليهم في مواعيد استحقاقها؛مساعدة المكلفين من الافراد و الشركات، على حساب مقدار الزكاة الواجبة عليهم ؛

تحصيل الزكاة من المكلفين سواء كانوا أفراد أم شركات في ضوء أسس و قواعد

، و حساب الزكاة لكل مال من الاموال الخاضعة للزكاة ؛

توزيع الزكاة على مصارفها الشرعية في ضوء الاسس، و القواعد الشرعية التي تحكم مصارف الزكاة ؛

إعداد الموازنات التقديرية لحصيلة الزكاة و مصارفها.

المطلب الثاني :تطبيق فريضة الزكاة في العالم الاسلامي

للزكاة مكانتها في شريعة الله ،و مكانتها أيضا في النظام الاسلامي ،لا فضلا أو تطوعا على من فرضت عليهم إنما فريضة محتمة و معلومة .

من هذا المنطلق قامت الكثير من الدول الاسلامية بتطبيق فريضة الزكاة ، منهم من أقرت جمع الزكاة بقوة القانون، و منهم مؤسسات أقّرت بجمع الزكاة طواعية.

الفرع الأول: المؤسسات القائمة على جمع الزكاة بقوة القانون

هناك ست دول اسلامية نصت أنظمتها على نوع من الالزام بدفع الزكاة للدولة، ليس المراد هنا الحصر إنما الهدف هو ابراز نماذج لهذه التجارب.

أولا : قانون الزكاة في المملكة العربية السعودية

تعتبر المملكة العربية السعودية أول بلاد اسلامية في العالم التي مضت في تطبيق الشريعة الاسلامية عموما، و الزكاة على وجه الخصوص.

و أهم ما يميز التطبيق العملي لفريضة الزكاة في المملكة العربية السعودية :

تؤخذ الزكاة على وجه الالزام كل الاموال المعدة للاستثمار ؛

هناك إدارتان منفصلتان تقومان على إدارة الزكاة ؛

مضى تطبيق الزكاة بأخذ الاموال الظاهرة، و تفويض زكاة الاموال الباطنة لأرباب الأموال ؛

أموال الدولة ، و مؤسساتها ،و إدارتها لا تخضع للزكاة.

ثانيا :قانون الزكاة في السودان

صدر في البداية قانون الزكاة في 13 شوال 1400 ه الموافق 23/08/1980م.

ثالثا : صندوق الزكاة في الجزائر

تأسس صندوق الزكاة في الجزائر سنة 2003، تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية و الاوقاف، و تحت رقابتها ،يقوم على تسييره المجتمع من خلال القوى الفاعلة في المجتمع كالأئمة، و لجان الاحياء، و ذوي البر، و الاحسان .

كانت أول انطلاقة له من ولايتي عنابة و سيدي بلعباس ، حيث تم فتح حسابين جاريين تابعين لمؤسسة المسجد على مستوى هاتين الولايتين لتلقي أموال المزكين، و تبرعاته، و في 2004 تم تعميم هذه العملية على كافة ولايات الوطن.

أـنشئ صندوق الزكاة الجزائري لدوافع عامة و أخرى خاصة.

*من الدوافع العامة

-العمل في جمع أموال الزكاة، و توزيعها على مستحقيها في إطار الشريعة الاسلامية؛

-دراسة حالات الفقر، و التعرف على واقع الافراد ؛

-الاستفادة من تجارب بعض الدول الاسلامية كالسودان، و المملكة العربية السعودية.

من الدوافع الخاصة

-العمل على تقليص الفجوة بين الفقراء، و الاغنياء؛

-تقديم المساعدات إلى ذوي الكفاءات، و المؤهلات لإخراجهم من خانة المتصدق عليهم؛

-تحقيق بعض المتطلبات التي عجزت الدولة عن تحقيقها.

المطلب الثالث :أهم الفروقات بين المؤسسات التي تجمع الزكاة بقوة القانون من التي تجمعها طواعية

يتجسد البعد التشريعي في وضع صيغة قانونية مقترحة يمكن من خلالها تطبيق الأحكام الشرعية العملية لفريضة الزكاة، بما يتفق و التطورات ،و المستجدات المعاصرة ، و بما يضمن تحقيق مقاصدها الشرعية، و بالتالي تعزيز دورها الاقتصادي، و من ثم تحقيق التوازن بين مكونات المنظومة الاقتصادية للمجتمع المسلم.

و يمكن التطرق لهذه الجوانب كما يلي:

الفرع الأول: الهيكل العام للقوانين

يختلف الهيكل العام للقوانين بين المؤسستين كالتالي :

أولا :المؤسسات التي تجمع الزكاة بقوة القانون

يتكون الهيكل العام لمعظم هذه القوانين من فصول، و أبواب، و يندرج تحتها مواد محددة، و يتكون الهيكل العام للقوانين من أبواب لكل منها أحكام زكاة ،اجراءات تحديد الزكاة و جبايتها ، انشاء و تكوين المؤسسة و تحديد اختصاصاتها و سلطاتها، المخالفات و العقوبات ، أحكام عامة.

ثانيا: المؤسسات التي تجمع الزكاة طواعية

جميع قوانين هذه المؤسسات غير مقسمة إلى أبواب أو فصول، و إنما هيكل القانون عبارة عن مواد متسلسلة مع اختلاف عدد المواد ما بين خمس مواد لقانون بيت الزكاة في الكويت إلى أربع عشر مادة، في قانون الزكاة في الاردن ،و عادة تحتوي المواد على اسم المؤسسة، و اختصاصاتها، و جوانب توزيع الزكاة، و تشكيل مجلس الادارة .

الفرع الثاني :الالزام القانوني بدفع الزكاة للدولة من عدمه

حصر و تسجيل مستحقي الزكاة، تمهيدا لإيصال الزكاة لهم في مواعيد استحقاقها؛يختلف الالزام القانوني بدفع الزكاة للدولة من عدمه بين مؤسسة الزكاة التي تجمع الزكاة بقوة القانون، و بين التي تجمعها طواعية كالتالي.

أولا: المؤسسات القائمة على جمع الزكاة بقوة القانون

يحتوي قانون هذه المؤسسات على مواد تخول مؤسسة الزكاة صلاحية جمع أنواع معينة من الزكاة، مثل القانون السعودي، السوداني، و الباكستاني.

ثانيا: المؤسسات القائمة على جمع الزكاة طواعية

جميع قوانين هذه المؤسسات تنص على أن دفع الزكاة يكون طواعية، و ان تسليمها للدولة يكون اختياريا ، مثل القانون الكويتي ، الاردني، و الجزائري .

الفرع الثالث: عقوبات تارك الزكاة

تختلف عقوبة تارك الزكاة بين المؤسسات القائمة على جمع الزكاة بقوة القانون، و بين التي تجمعها طواعية كالتالي:

أولا: المؤسسات القائمة على جمع الزكاة بقوة القانون

اتفقت جميعها على توقيع عقوبات إلا أنها اختلفت في نوع العقوبة ، ففي السودان يعاقب بغرامة لا تقل عن ضعف مقدار الزكاة المقررة ، و يعطي القانون السوداني الصلاحية لأخذ الزكاة ممن منعها قهرا ، و يعتبر القانون الماليزي أكثر القوانين تفصيلا حول العقوبات للممتنع عن الزكاة .

ثانيا: المؤسسات القائمة على جمع الزكاة طواعية

لا توجد أي عقوبات في قوانين المؤسسات القائمة على جمع الزكاة طواعية لمن يمتنع عن

دفع الزكاة.

خلاصة الفصل الأول

الزكاة ركن من أركان الاسلام، و هي قرينة الصلاة ، كما أنها العبادة الوحيدة ذات الطابع المالي الخالص، و هي أداة توازن اقتصادي، و اجتماعي كونها من ناحية تقضي على الفقر و البطالة، و من ناحية أخرى تساهم في التنمية لاقتصادية كتشجيع

من يرغب بتحميل المذكرة كاملة عليه تحميلها من هذا الرابط المباشر:

bit.ly/3JPuIsA