Words and hadiths about the Noble Quran

قال الشيخ الزركشي : 

أما بعد فإن أولى ما أعملت فيه القرائح ، وعلقت به الأفكار واللواقح : الفحص عن أسرار التنزيل ، ‏والكشف عن حقائق التأويل الذي تقوم به المعالم ، وتثبت الدعائم. فهو العصمة الواقية ، والنعمة ‏الباقية والحجة البالغة ، والدلالة الدامغة ، وشفاء الصدور ، والحكم العادل عن مشتبهات الأمور ‏والكلام الجزل وهو الفصل الذي ليس بالهزل ، سراج لا يخبو ضياؤه ، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه ‏وبحر لا يدرك غوره ، بهرت بلاغته العقول ، وظهرت فصاحته على كل مقول ، وتظاهر إيجازه وإعجازه ‏، وتظاهرت حقيقته ومجازه ، وتقارن في الحسن مطالعه ومقاطعه ، وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه ‏، قد أحكم الحكيم صيغته ومبناه ، وقسم لفظه ومعناه ، إلى ما ينشط السامع ويقرط المسامع من ‏تجنيس أنيس وتطبيق لبيق ، وتشبيه نبيه وتقسيم وسيم ، وتفصيل أصيل ، وتبليغ بليغ ، وتصدير ‏بالحسن جدير ، وترديد ما مزيد ، إلى غير ذلك مما أجري الصياغة البديعة ، والصناعة الرفيعة ، ‏فالآذان بأقراطه حالية ، والأذهان من أسماطه غير خالية ، فهو من تناسب ألفاظه ، وتناسق أغراضه ‏، قلادة ذات اتساق ، ومن تبسم زهره ، وتنسم نشره ، حديقة مبهرة للنفوس والأسماع والأحداق ، ‏كل كلمة منه لها من نفسها طرب ، ومن ذاتها عجب ، ومن طلعتها غرة ، ومن بهجتها درة لاحت عليه ‏بهجة القدرة ، ونزل ممن له الأمر ، فله على كل كلام سلطان وإمرة ، بهر تمكن فواصلة ، وحسن ‏ارتباط أواخره وأوائله ، وبديع إشاراته ، وعجيب انتقالاته ، من قصص باهرة ، إلى مواعظ زاجرة ‏وأمثال سائرة ، ومواقع تعجب واعتبار ، ومواطن تنزيه واستغفار ، وإن كان سياق الكلام ترجيه ‏بسط ، وإن كان تخويفاً قبض ، وإن كان وعداً أبهج ، وإن كان دعوة حدب ، وإن كان زجرة أرعب ‏وإن كان موعظة أقلق وإن كان ترعيباً شوق.‏

هذا ، وكم فيه من مزايا وفي زواياه خبايا , فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب ، صرفه بأبدع معنى وأغرب أسلوب ، لا يستقصي معانيه فهم ‏الخلق فلا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان الطلق....... فالسعيد من صرف همته إليه ووقف ‏فكره وعزمه عليه ، والموفق من وفقه الله لتدبيره واصطفاه للتذكير به وتذكره فهو يرتع من رياض ، ‏ويكرع منه في حياض.‏

أندي على الأكباد من قطر الندي وألذ في الأجفان من سنة الكري يملأ القلوب بشرا ويبعث القرائح ‏عبيراً ونشراً ، ويحيي القلوب بأوراده ولهذا سماه روحاً ، فقال : " يلقي الروح من أمره على من يشاء ‏من عباده " {غافر : 15 ‏

فسماه الله روحاً ، لأنه يؤدي إلى حياة الأبد ولولا الروح لمات الجسد فجعل هذا الروح سبباً للاقتدار ‏وعلماً على الاعتبار يزيد على طول التأمل من بهجة كأن العيون الناظرات صياقل  

فالقرآن بحر متلاطم ‏الأمواج لا قعر له ولا ساحل ، تذهب فيه حيلة السابح

 لو ذاب أهل السموات وأهل الأرض حين يسمعون كلام الله عز وجل أو ماتوا خمودا أجمعون لكان ‏ذلك حق لهم ولما كان ذلك كثيرا إذ تكلم الله عز وجل به تكليما من نفسه من فوق عرشه من فوق ‏سبع سماواته  فإذا عظم في صدرك تعظيم المتكلم به لم يكن عندك شيء أرفع ولا أشرف ولا أنفع ولا ألذ ‏ولا أحلى من استماع كلام الله جل وعز وفهم معاني قوله تعظيما وحبا له وإجلالا إذ كان تعالى قائله ‏فحب القول على قدر حب قائله أهـ. فهم القرآن للحارث المحاسبي  

‏ عن زيد بن أرقم قال قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكة ‏والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: «أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن ‏يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله ‏واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم ‏الله في أهل بيتي زاد في رواية كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ‏ومن أخطأه ضل» 

وفي رواية: كتاب الله هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ‏ضلالة. 

(م) عن عمر بن الخطاب قال أما إن نبيكم صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله تعالى يرفع بهذا ‏الكتاب أقواما ويضع به آخرين» وعن الحارث الأعور قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في ‏الأحاديث فدخلت على عليّ فقلت يا أمير المؤمنين ألا ترى الناس قد خاضوا في الأحاديث قال: أوقد فعلوها قلت نعم قال أما إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏يقول:

" ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله قال: كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم ‏وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم والفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في ‏غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به ‏الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. هو ‏الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به من قال به صدق ‏ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم " خذها إليك يا أعور. ‏أخرجه الترمذي  

(قوله هو الفصل) أي الفاصل بين الحق والباطل ليس بالهزل أي هو جد كله ليس ‏فيه شيء من الهزل، والجبار في صفة الآدمي هو المتسلط العاتي المتكبر على الناس، قصمه الله أي ‏أهلكه.‏

‏(قوله وهو حبل الله المتين) الحبل يرد على وجوه منها العهد ومنها الأمان فإذا اعتصم به الإنسان آواه ‏الله تعالى إلى جواره والذكر الشرف والحكيم المحكم العاري من الاختلاف والاضطراب، والصراط ‏المستقيم الطريق الواضح، ومعنى لا تزيغ به الأهواء أي لا يميل عن الحق، عن ابن عباس رضي الله ‏عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن ‏كالبيت الخرب» أخرجه الترمذي عن عثمان عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (ق) عن عائشة قالت ‏قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع ‏فيه وهو عليه شاق له أجران». (قوله الماهر بالقرآن) يعني الحاذق الكامل الحفظ الجيد التلاوة، وقوله: ‏مع السفرة جمع سافر وهو الرسول من الملائكة سمي بذلك لأنه يسفر برسالات الله إلى أنبيائه وقيل ‏السفرة الكتبة من الملائكة والبررة المطيعون لله تعالى فيما يأمر، به ومعنى كونه من الملائكة أن له ‏منازل في الجنة يكون فيها رفيقا لهم. وقوله:‏يتعتع أي يتردد في تلاوته لضعف حفظه. له أجران: يعني يحصل له أجر بسبب القراءة وأجر بسبب ‏تعبه فيها والمشقة التي تحصل له فيها وليس معناه أن له أجرا أكثر من الماهر، بل الماهر أفضل منه ‏وأكثر أجرا ‏ . 

عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل ‏الأترجة طعمها طيب، وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح ‏لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب ولا طعم لها، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ ‏القرآن، كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها "

عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة ‏والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» أخرجه الترمذي ‏وقال: حديث حسن صحيح غريب، وقد رفعه بعضهم عن ابن مسعود، ووقفه بعضهم عليه. 

عن ابن ‏عباس قال: قال رجل يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال «الحالّ المرتحل». قال: وما ‏الحال المرتحل؟ قال: «الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل». أخرجه الترمذي 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقال لصاحب القرآن اقرأ ‏وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند الله آخر آية تقرؤها» أخرجه الترمذي وقال: ‏حديث حسن صحيح.  

فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ويعلم ‏أن ما يقرأه ليس من كلام البشر وإن في تلاوة كلام الله ـ عز وجل ـ غاية الخطر فإنه تعالى قال [لا ‏يمسه إلا المطهرون] وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان ‏متطهرا فباطن معناه أيضا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهرا عن كل رجس ‏ومستنيرا بنور التوحيد و التعظيم والتوقير ، وكما لا يصلح لمس جلد المصحف كل يد فلا يصلح لتلاوة ‏حروفه كل لسان ولا لنيل معانيه كل قلب ، ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نشر ‏المصحف غشي عليه ويقول : ‏

هو كلام ربي هو كلام ربي , فتعظيم الكلام تعظيم المتكلم ولن تحضره عظمة المتكلم ما لم يتفكر في ‏صفاته وجلاله وأفعاله فإذا حضر بباله العرش والكرسي والسموات والأرض وما بينهما من الجن والإنس ‏والدواب والأشجار وعلم أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد وأن الكل في قبضة قدرته ‏مترددون بين فضله ورحمته وبين نقمته وسطوته إن أنعم فبفضله وإن عاقب فبعدله وأنه الذي يقول : ‏هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي وهذا غاية العظمة والتعالي فبالتفكر في أمثال ‏هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام