المرأة بين حكم الجاهلية وحكم الإسلام 

فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ

مما ينبغي أن نفهمه أن الله تعالى لم يجعل تعدد الزوجات محاباة للرجل على حساب المرأة كما يزعم الجاهلون , وإنما هو تشريع لصالح الإنسان سواء كان ذكرا أو أنثى , إن الله تعالى هو خالق الذكر والأنثى وقد ساوى بينهما في أصل التكليف والجزاء والثواب لا فرق بينهما في ذلك , ولكن نتيجة الاختلاف البين في الطبيعة والتكوين ترتب على ذلك الاختلاف في الخصائص والوظائف والتكاليف الشرعية, وهذا مما لابد منه ولا مفر. إن الله تعالى قد جعل شرعه المطهر من رجس وخبال الجاهلية على أساس طبيعة كل من الرجل والمرأة, وهذا من العدل المطلق والحكمة البالغة , لأنها تتوافق مع طبيعة كلا منهما ولا تظلم منها شيئاً, أليس هو سبحانه وتعالى من خلق الذكر والأنثى ؟ وهو اعلم بم يتوافق مع خلق كلا منهما وطبيعته وتكوينه ويصلحه ولا يفسده .

 "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"96الاعراف

إن الجاهليون يحرمون تعدد الزوجات وفى نفس الوقت يبيحون تعدد الخليلات الذي يجعل من المرأة مجرد متاع رخيص تافه وحقير, يتناوله الرجال متى شاءوا, يقضون منها وترهم ثم يلقون بها على قارعة الطريق , كما أخذوها من قارعة الطريق!

وهذا هو الإنصاف والعدل عندهم ومقتضى مساوة المرأة مع الرجل ,. وهذا هو تحرير المرأة عندهم!

أما المشاركة في زوج مع امرأة أخرى أو امرأتين ... فهو بمثابة العودة لعصر العبيد والإماء وتخلف ورجعية ومذلة ومهانة للمرأة!

ولأن تشريعات الله تعالى لا تحابي أحداً على احد ولا تظلم طبيعة وتكوين الإنسان وفطرته سواء كان ذكرا أو أنثى, ولكنها تصلح الحياة والإنسان حيث كان, لذلك فإن الآية الكريمة لا تطلق للرجال حق التعدد بلا أي ضابط أو رابط , ولكنها تشترط العدل المادي الظاهري بين الزوجات فيما يقدر عليه الرجال وفي وسعهم , وهذا شرط صعب تحقيقه وليس مستحيلا ولا بعيد المنال , لكنها سنة التوازن التي نجدها في كل تشريعات الحكيم الحميد سبحانه , فمن يريد التمتع بأكثر من زوجة واحدة فليركب الصعب والزلول من اجل ذلك , خصوصا إذا كانت نساء الزمان لا يرضون بالقليل من المتاع والزينة ويريدن الحياة الدنيا وزينتها !

إن منهج الله تعالى لا يوصد باب التعدد ولا يحرّمه , ولكنه لا يفتح بابه على مصرعيه بلا حسيب ولا رقيب , وهذا هو التوازن التشريعي بين الحقوق والواجبات .

ولمن يريد التعدد عليه أن يتأمل فيما ورد في السنة النبوية كيف كان حال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ويتأسى به , وليعلم أن رضاء الزوجات عليه يكاد يكون مستحيلا , ولذلك لابد أن يتمتع بحلم عظيم وعقل وفير وسعة في الجسم والمال.  

ثم انظر في هذه اللفتة البديعة العجيبة في خاتمة الآية الكريمة " ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ " فهي تطرق حس الراغبين في جمال النساء ومتعتهن مما يضعف ملكات العقل والتأمل عندهم , تطرق حسهم بما يترتب على التعدد من أعباء جسيمة مادية ومعنوية , من رعاية وكفاية للزوجات والأولاد وتربيتهم والقيام بما يصلحهم مما قد يفوق قدرتهم على تحمل ذلك ,. والذين نظروا في الآية الكريمة ولم يفهموا من معنى العيلة إلا المعنى المادي المختص بالمال والفقر , لم يفهموا مراد الله تعالى كما ينبغي , لأن المال وحده لا يقيم العدل بين الزوجات ويحقق الرعاية والتربية لثمرة هذا التعدد من بنين وبنات, فليس كل ذي مال وفير لا يقصر عن النفقة الواجبة للزوجات والأولاد , يكون قادرا على الرعاية والتربية والكفاية بميزان العدل بينهم جميعاً,.

وإن كان القرآن الكريم قد تسامح في بعض الميل والجور , ولكن ما كان في حدود الطاقة والوسع فهو لا يتسامح فيه , وهذا ما تكشفه لنا الخاتمة العبقرية للآية الكريمة , ذلك ادنى إلا يصيبكم الجهد والمشقة والشتات النفسي بسبب الغيرة المتوقدة وربما يصيبكم الفقر والعوز من كثرة المطالب, وابعد من الحيف والظلم والجور.