القيود القدرية والشرعية في مسألة تعدد الزوجات.
إننا نرى الآية الكريمة اطلقت التعدد من ناحية العدد ... ولكنه مقيد من ناحية أخرى ... بقيدين .. بقيد قدري طبيعي وقيد شرعي ... فإن قدرة الرجل في كفاية الزوجات في النفقة والمبيت ستجعل له حدا ومنتهى شاء أم أبى ... فأي قدر من الفحولة وقوة الباءة يحتاجها الرجل لكفاية سبع زوجات أو تسع زوجات ... فلا شك أنها قوة خارقة لا يمتلكها إلا اقل القليل من الرجال ... فهذا مانع طبيعي وقيد قدري لا انفكاك منه ... كذلك أيضاً ... كم هو حجم النفقة التي يحتاجها ذلك الرجل ليعدل بين زوجاته في الهدايا والعطايا والنفقة ؟
وهذا هو القيد الشرعي المنصوص عليه في الآية الكريمة ... وهو العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت ... وكذلك الرعاية لمصالحهن والقيام بكافة شؤونهن ... مما يمثل عبئا ثقيلا وحملا كبيرا على أي رجل ...
لذلك نحن نرى عبقرية الآية الكريمة في هذا السياق ... فهي تطلق العدد في التعدد وفي نفس الوقت تشير بطرف خفي وتلميح ذكي عندما سردت الاختيارات في الأعداد المقترحة اثنتين وثلاث وأربعة ثم لم تكمل التعداد ... إذ أن التعدد فوق الأربعة يحتاج لأولي العزم من الرجال الأقوياء الأصحاء أصحاب النفس الطويل .. والصبر الجميل ... والحلم العظيم ... وهذا لا يتحقق إلا للأنبياء والقليل من الرجال ....
إذاً ... رغم الإطلاق في التعدد إلا انه قائم على تحقق هذه المعادلة الصعبة واجتياز هذه الشروط القدرية والشرعية ... فيصبح في المجتمع رجال كثيرين لا يقدرون إلا على زوجتين اثنين فقط ,,, واقل منهم يقدرون على كفاية ثلاث زوجات ... واقل منهم من يقدرون على كفاية أربعة زوجات ... بحسب هذه الشروط القدرية والشرعية الموضوعة في الآية الكريمة ... واقل القليل من يمكنه الزيادة على اربع مع الكفاية والسداد والعدل والرعاية ...
وهكذا نفهم عبقرية النص القرآني .. في هذا النسق المعجز إذ بدأ باثنتين وهى بداية التعدد ... وثنى بالثلاثة .. ثم بالأربعة في نسق واحد ... ثم انتهى وتوقف التسلسل العددي والتخيير .... لنفاذ الطاقة والوسع عند عامة الرجال ـ إلا القليل منهم ـ فلا يمكنهم الزيادة على ذلك إلا بالميل والجور والتفريط فيذر واحدة منهن أو اثنتين أو اكثر معلقة بين بين ... فلا تنال حقوقها الزوجية ولا العدل والكفاية ... وهذا إخلال بالشرط وظلم واعتداء يحاسبه الله تعالى عليه حسابا شديدا ...
والذين يستنكرون ذلك التعدد مطلقا أو حتى مقيدا ... تحت وطأة وثقل الواقع الجاهلي المعاصر ومفاهيم العولمة الطاغية , فالجاهلية المعاصرة تستنكر التعدد من اصله سواء بأربعة أو اكثر أو أقل , ولا ترضى إلا برجل واحد لمرأة واحدة بزواج , أما الخليلات والعشيقات فلا حرج عليه ولو عاشر كل ليلة واحدة منهن!! , ويعتبرون أن هذا عدل وإنصاف للمرأة وأن التعدد ظلم وإجحاف بها!
أما الذين يستنكرون ما ذهبنا إليه في تفسير هذه الآية الكريمة خلافا لما توارثناه وتغلغل في وجداننا, أقول لهم إن كان التعدد المباح للرجل محصور في العدد أربعة زوجات , فكيف للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بتسعة من الزوجات ؟!
وكما بينا أن دعوى الخصوصية لا دليل عليها من كتاب الله تعالى , والأمر بالتأسي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر عام ليس فيه استثناء كما عرضنا آنفاً الآيات الكريمة الدالة على هذا ,. فأنتم بين امرين , إما أن تقولوا أن تفسير الآية الكريمة هو أربعة من الزوجات فقط وتخرجوا لنا هذا البرهان من الآية الكريمة أو من القرآن الكريم كله , بشرط عدم تحريف الكلم عن مواضعة وتفعيل كل كلمات الآية الكريمة وحروفها بلا حذف ... أو إضافة مقدرات .... أو تغيير الصيغة , فمن يأتي ويقول إن حرف " الواو " في الآية الكريمة بمعنى " أو " سنضرب بقوله هذا عرض الحائط.
لأن الله تعالى لم يكن نسيا عندما قال جلا في علاه : مَّثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ولم يقل مَّثْنَىٰ أو َثُلَٰثَ أو َرُبَٰعَ
كما ينبغي أن تكذبوا كل الروايات والاحاديث التي وردت في الصحاح وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعنده تسع زوجات , وتثبتوا لنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج اكثر من أربعة زوجات.