بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ يَٰٓا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا 

وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا ٢ 

وبعد التذكير بهذا المنشأ الواحد الذي تعود إليه البشرية كلها والرحم الأولى التي تناسلت منه مما يجعلهم إخوة في الإنسانية وأسرة واحدة كبيرة من أب وأم واحدة, ونرى هذا المعنى في نداء الآية الكريمة الأولى من السورة الكريمة التي تنادي الناس جميعا نداء واحداً يجمعهم جميعا تحت مظلة الأسرة الإنسانية الواحدة, تأمرهم بتقوى الله تعالى ربهم الواحد الذي خلقهم جميعاً خلقا واحدا , وهذا دليل واضح وصريح على أن القرآن الكريم يخاطب البشرية كلها في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة, بكل آية من آياته وكل تشريعاته وأحكامه وقصصه ومواعظه وعلومه ونظامه الشامل لكل تفاصيل حياة الناس .

فإذا قال القرآن الكريم يا أيها النبي أو يا أيها الرسول فهو خطاب للرسول ومن ورائه كل الناس أن يتبعوا هذا النبي صلى الله عليه وسلم والرسول باتباع الكتاب الذي أرسله الله تعالى من أجله ليبلغه للناس.

واذا قال القرآن الكريم يا أيها الذين آمنوا فهو خطاب للمؤمنين ومن ورائهم كل الناس إلى يوم القيامة أن يؤمنوا إيمانا صحيحا كأيمان المؤمنين بهذا الكتاب العظيم ويجعلونه منهاج حياتهم وميزانا ومعيارا لكل شيء , كما هو تبيانا لكل شيء 

واذا ذكر القرآن الكريم قصص الأولين فهو خطاب لكل الناس ... يحمل موعظة ومثلا وذكرى للمؤمنين , وتهديدا ووعيداً لكل الظالمين......... وهكذا في سائر آيات القرآن الكريم لأنه كلمات الرب القدسية لعباده الذين خلقهم من أصل واحد ولا يتمايزون عنده إلا بالتقوى.

ثم تبدأ السورة الكريمة في شن حملة صادقة ومجلجلة من أجل اليتامى , وهم الذين فقدوا آبائهم وهم دون سن البلوغ, خصوصا عندما يرث اليتيم مالا وفيرا من أبيه المفقود فعندئذ يصير اليتيم مطمعاً لكل الذين من حوله , فتأتي الآية الكريمة بأمر يحمل تهديدا ووعيداً شديدا , بإيتاء اليتامى أموالهم ولا يجعلونها في أموالهم ويخلطونها بها رغبة في أكلها ثم يجعلون فتات طعامهم لليتامى, وقد وسع الله تعالى على الناس في المعايش ومصادر الرزق حلالا طيبا , فلا تتبدلوا هذا الحلال الطيب بهذا الطعام الخبيث عندما تأكلون من أموال اليتامى.

فلا ينبغي لكم أن تفعلوا ذلك لأنه كان ظلما فاحشا لهذا اليتيم ورحمه وإجحافا به وتعريضه للمذلة والرهق في حياته خصوصا إذا كان اليتيم أنثى.  

وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ ٣ 

إن الآية الكريمة فيها من البيان الثقيل ما يحتاج للعلماء الربانيين ليستخرجوا كنوزها ودررها , وكذلك سائر القرآن الكريم , لا يمكن لفرد واحد مهما بلغ علمه أن يقوم بتفسير آيات الله تعالى ومعاني كلماته , على وجه التمام .... أبداً لا يستطيع ذلك ولا معشاره .... وإنما غاية جهده أن يكشف لنا بعض ما فيها من البيان والهدى بمثل قطرات الندي من غيث منهمر ثجاج.

إن الآية الكريمة تحمل معنى لليتم يتجاوز مجرد فقد الأب أو الأم أو الاثنين معاً , وإنما هو أيضاً من فقد السند والمعين على تفرده وضعفه, لذلك قد تستمر حالة اليتم هذه حتى بعد البلوغ بدلالة الآية الكريمة , خصوصا إذاً كانت أنثى وذات مال وجمال فإن يتمها يشتد والطمع فيها ممن يتولى أمرها يمتد , فربما اجبرها على الزوج من نفسه ولنفسه وهو ليس ممن ترغب فيه النساء لسنه وهيئته , وربما اجبرها على الزواج من ابنه أو احد أقربائه مجاملة له وليأكل مهرها...

إنها حالة نموذجية تكرر في واقع المجتمعات البشرية لذلك فإن الله تعالى لا يترك مثل هؤلاء الضعفاء من عبيده بغير غطاء من الحماية ومزيد من الرعاية.

إن الناس يحسبون أن الضعفاء والمساكين ممن لا يؤبه لهم من الناس الذين لا سند لهم من أسباب الدنيا ولا معرفة لهم بأحدٍ من كبراء القوم وملاءهم يحسبونهم لا قيمة لهم ولا وزن ولا حرمة لهم , ولا يعلمون بسبب عمى قلوبهم أن أمثال هؤلاء يحيطهم الله تعالى بحمايته ومزيد من الرعاية , فليحذر الظالمون من مثل دعاء هؤلاء عليهم فإنها تحق عليهم ولو بعد حين.

ولذلك نرى الآية الكريمة تحرج اشد التحريج من اقل الظلم والحيف لمثل هذه الأنثى اليتيمة التي ليس لها عصبة تكون لها سندا ومعينا على نوائب الدهر , وتحذر الأوصياء والأولياء والمجتمع كله من المسيس بحقهم وتطالبهم بالقسط في معاملتهم , وإن كان ذلك مطلوبا في معاملة غيرهن من النساء إلا أن القرآن الكريم يجعل لهؤلاء اليتامى حقا زائدا ومؤكدا وحرمة اشد.