يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٢٠٨
فَإِن زَلَلۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡكُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم 209٠
وهكذا نمضي قُدماً في هذه الرحاب العطرة في جنات وعيون , وظل ظليل , نتفيئ ظلالها وننعم بجلال منظرها وبهاء رونقها , وأريج عطرها الفوّاح من أفنائها , ونحن الآن في الرحاب العطرة لهذه الآيات الكريمة , نرى البهاء والجلال والتمام والاتساق التام والتكامل مع ما سبق من آيات , وما يتلوها من آيات في نسيج واحد لا ينفصم , ليس فيه اختلافاً ولا تناقضاً ولا تعارضاً , ولا زيادةً ولا نقصاً , إن محاولة وصف هذه الرحاب وما فيها من جلال وبهاء وتمام وعلو وانسجام تام , لهو بمثابة الانتحار للبيان , والاندحار للحروف والكلمات تحت سطوة الجلال الهادر والجمال الفائق .
الآيات الكريمة التي نحن في رحابها الآن تأتي في سياق تام ومنسجم تماماً مع ما سبقها من آيات ومعناها الذي ذكرناه آنفاً , فبعد أن كشفت الآيات الكريمة السابقة عن طائفة من الجماعة المؤمنة , التي تتظاهر بالإيمان , وقلوبهم خاوية منه , وتتعاطى مع قضية الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى تعاطياً خاطئاً , أملته عليهم أهوائهم الجامحة , وطبيعتهم المتهورة , ولم يستسلموا لمنهج الله تعالى استسلام المؤمنين الصادقين , وإنما هم ممن يعتقدون أولا ثم يأتوا إلى منهج الله تعالى يطلبون دليلاً على ما اعتقدوه سلفاً , وأمثال هؤلاء لا ينتفعون بآيات الله تعالى ولا يمكنهم فهمها , ويزدادون غياً إلى غيهم وضلالاً إلى ضلالهم , عندما يلون عنق الآيات الكريمة لتوافق أهوائهم , وتساير سوء معتقدهم , وفساد أصولهم التي أسسوا عليها بنيانهم .
ونظراً لشبهاتهم التي تدثرت لحن القول , وامتطت صهوة البيان , وبريق شعارتهم التي تجذب القلوب الخاوية من الإيمان الصادق مثل قلوبهم , فإن الآيات الكريمة تشق باطلهم المزين بسيف الحق المبين , وتقذفه بشهبٍ ثاقبةٍ من الفرقان فيكشف عن خواء حقائقهم من المعنى , وفضاء باطنهم من الحق , الذي يرفعون شعاره , ويتسلقون جدرانه !
فتأتي الآيات الكريمة بالأمر الصريح والقول الفصيح للجماعة المؤمنة كلهم بما فيهم من يدعون الإيمان ظاهراً , ويشعلون نار الفتنة , ولهيب الحرب , أن ادخلوا في السلم كافة ً[الموادعة والمصالحة وبسط اليد بالسلام ] , والمعنى في الآية الكريمة واضح وضوح الشمس في رابعة النهار , تنادي المؤمنين كافتهم أن يدخلوا في السلم بكافتهم ولا يتفرقوا حول هذه القضية , ويقطعوا دابر الفتنة ويقطعوا الطريق على كل داعٍ لها , ويقدح زنادها ليشعل نارها , فتناديهم في صيغة الأمر الجازم , أن يدخلوا بكافتهم في السلام والموادعة مع الأعداء ما امكن ذلك , حتى يكفوا كيد أعدائهم المتربصين بهم من داخل صفهم [ وهم من وصفتهم الآيات الكريمة السابقة على هذه الآيات الكريمة ] ومن خارج صفهم , وهكذا تأتي الآيات الكريمة متسقة تماماً مع ما قبلها من آيات في انسجام تام , ولا نتخبط ولا نحتار في معناها الظاهر , ونسلم لها ونخضع لحكمها ظاهراً وباطناً , ولا نلوى عنقها لتسير وفق أهواءنا وما اعتقدناه سلفاً من قبلها ونحكم عليها سفهاً وظلماً وعتواً ,.