الصبر و ما أدراك ما الصبر .... سيد الفضائل و مكارم الأخلاق و ما من ناجح في تاريخ البشر إلا و له نصيب من هذه الصفة مهما كانت ديانته أو خلفيته ... و إن كان الصبر في معناه هو القدرة على التحمل في ظل ظروف صعبة، والتي يمكن أن تعني المثابرة في مواجهة المصاعب وتحمل العناء فهو ينطوي أساسا على القدرة بالتحكم على النفس و السيطرة عليها و كلما كان الشخص بطبعه ذو إرادة و يملك قوة نفسية و عقلية كلما كان أكثر صبرا و تحملا ...

و لست هنا بصدد الحديث عن فضائل الصبر فهو أكثر من أن يحصى و لكن عن الإستخدام الخاطئ لهذه الفضيلة...

● الصبر على العلاقات السامة و المسيئة

من أكثر الأمور شيوعا بين الناس هي مطالبة الإنسان و عادة ما يكون الطرف المستضعف بالصبر على علاقة مسيئة تستهلك صحته العقلية و النفسية .... مطالبة الزوجة بالصبر على زوجها الظالم الذي يأكل حقوقها دون رحمة ... مطالبة الأبناء بإرضاء والديهم النرجسيين و الصبر على إسائتهما .... نصح الخادم أو العامل بالصبر على جفاء و سوء معاملة المدير أو المخدوم ..... لا أغفل طبعا أن للعلاقة الزوجية و العلاقة بين الآباء و أبنائهم قدسيتها و اختلافها عن العلاقات الإنسانية الأخرى و أن التسامح عن الهفوات أمر مهم و لكن السؤال إلى أي حد ؟ و ألا يعتبر هذا النوع من التصبير كإعانة الظالم على ظلمه و ضرب حقوق المظلوم عرض الحائط و كيف يعتبر الصبر على الشر و الإساءة كالصبر على البلاء ..... فمن المحمود أن تصبر الزوجة على مرض زوجها أو فقره و ما هو خارج سيطرته فهل هو في نفس ميزان الصبر على سوء خلقه و بخله و وحشيته ...

الأبناء أيضا لهم نصيب من ذلك و الأدهى أنهم سيواجهون قبل ذلك عاصفة من الإنكار لأنه من الصعب أن يصدق أحد بتواجد آباء و أمهات نزعت من قلوبهم الرحمة فإذا اشتكى الإبن و الإبنة قلبت الطاولة عليه بأنه يتوهم و حتى لو كان صادقا فمهما فعل به والداه من الأفاعيل و ما ارتكبوه نحوه من الظلم فيجب أن يبرهما و يصبر على أذاهما...

هذه صورة مصغرة من أصغر الدائرة و هي الأسرة و لكنها ظاهرة تطغى المجتمع بأكمله .... بين الرئيس و شعبه و بين المدير و موظفيه، بين المعلم و تلامذته... فالناس يهتمون أكثر بتصبير المظلوم على الظلم الذي يتعرض له و وعده بالخير الذي ينتظره بعد الموت و كأنه لزام عليه أن يقضي حياته مذلولا مقهورا أكثر من ردع الظالم عن ظلمه أو حتى طرح حلول مجدية للمظلوم ليأخذ حقه و تتم هذه العمليات بإسم جميل و هو الصبر حتى أصبح وسيلة لإنتهاك حقوق الإنسان .....