صيحة أطلقها الفيلسوف الفرنسي ميشيل لاكروا لتنبيه من الأزمة التي يعاني منها الإنسان المعاصر
وهي أزمة (تقديس المشاعر ) او كما اطلق عليها عباده المشاعر .
لكل أمة فضائل تعبر عن المشاعر المثالية فيها وتمثل أيضا روح هذه الأمة, في امه اليونان مثلا نجد جمع بين القوة البدنية و الحكمة العقلية , وإذا نظرنا في الأديان سنجد أنها أضافت أبعاد روحية لهذه الحالة العقلية ,مثل:
- الخشية
- والخشوع
- والإخلاص
- التروع
وقد ظل الدين على مر التاريخ مرتبطا بشكل كبير بل تامل في الايات الكونيه ,وكان هذا الحال احد السبل لوصول الى حقيقه معينه
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
وكان المنزل الحسي حاضرا دوما في تاريخ الإنسان ,وقد صورت الكثير من الأديان وفلسفات النزاع الدائم بين الروح والمادة ,على أنه صراع يمثل الفضيلة , وتميز الإنساني على كائنات الاخره .
لفضيلة دائما مع الورع والسكون وترفع عن الإغراق في المادة ؛ ولكن تحولات عصر النهضة وما جاء بعده من عصر التنوير قد أثرت بشكل مباشر على ثنائية المادة والروح , إذ ذهب مفكرين تلك الحقبة الى تقديس الفكر وتقديم العقل للتخلص من المشاعر الروحية وزاد هذا الأمر حتى أصبح التقديس المادي يتصاعد حتى طغى على الجانب الروحي .
فجاوزت الإنسانية هذا النمط إلى نمط حياة مختلف أكثر رفاهية من جهة وأكثر تقدما من الناحية العلمية وتكنولوجيا
فشعر الإنسان أنه الآن أكثر تحكما في الحياة ,اشهر الاعمال الفنيه والادبيه في تلك الفترة كانت تقدس النزعه الانسانيه نحو الحياة الحسية وتخلص بشكل مطلق من الجانب الروحي ,ورفضت الاعتراف بأنه جزء من كيان الإنسان ,لتغلق الباب أمام مشاعر الذنب الناتجة عن غيابه .
فقد اضمحل الجانب الديني وحلت محله انغام الموسيقىه الصاخبة , وأصبح العمل الفني الناجح في عصرنا هو الذي يستطيع أن يأخذ المشاهدين الى لعبه من التناوب تحبس الأنفاس ,حيث تمزج من الهلع والمفاجأة والحزن والغضب والارتياح وتعاطف ودموع وضحك , اما الموسيقى فهي التي تلهبنا وتشعر فينا الأحاسيس
في كتاب احلام يقظه متجول وحيد يصف الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو المتعة التي يمنحها اليه الحلم الناعم على ضفة الماء الهادئ ,هذا الإحساس الساكن بل وجود يبدو أنه بعيد جدا عن طبعنا ,بالماضي كان هناك احتفاء كبير بل بشر من الهدوء وتأمل ,وتمتع بمنظر الامواج الهادئه والسماء الصافية ولحظات الصفاء والسكينة ,أما الإنسان المعاصر فأنه يفضل المشاعر المتفجرة والاحاسيس الصاخبة ,فأصبحت حياته العاطفية عباره عن حركه وليست خشوع وسكينه ,في كتابه "عباده المشاعر " يحدثنا ميشيل لاكروا عن مشاعر الإنسان الحديث وعن غلبه المشاعر المتأججة والانفعال الشديد في لحظات المشاعر الهادئة وكيف اصبحت المشاعر هي مجرد تعبير كلي عن الذات ,حيث أن عبارة ديكارت التي أسست لتنوير الحديث :انا افكر اذن انا موجود ,استبدلت في عصر الحديث لتصبح انا اشعر اذن انا موجود
يمكن رؤية مثل هذا النوع من التقديس لمشاعر في الأعمال الفنية ,والتي تقوم كما يدعي لاكروا بصناعة السيناريوهات و كانها تشتغل على ماده اوليه بصنع لاستخلاص كل عصارتها العاطفية , في سينما مثلا تقدم افلام الاكشن التي لا تحمل غاية سوى الاثاره او افلام الرعب المصنوعة خصيصا لاستنزاف أكبر قدر ممكن من المشاعر , نجاحها مرهون بمدى إثارتها لمشاعر الخوف والهلع عن المشاهد ,لذلك يقول لاكروا :عندما يريد أحد مدع فلم ما ,تكون العبارة هذا فلم مفعم بل مشاعر .
اما اذا نظرنا الى الاعلانات بهي تتمحور حول فوران الحسي ,وتحاول ترديد عبارات لمشاعر ملحوظه عند استعمال المنتج بدل من طرح فوائده وماهيت المنتج ,لان المشاعر اصبحت شي يستخدمه الكل لدعم حملة التسويق وكم من ناس تشتري .
أصبحت حياة الإنسان المعاصر تعاني من اختلال راجع إلى الإفراط في مشاعر الصدمة ونقص في مشاعر التأمل
وقد ادى هذا الخلل إلى ما يسميه لاكروا : "متلازمة فقدان الاحساس" .
من اعراضها ان ينسى الانسان ما هو طبيعي ,ويحدث في نفوس الناس لهفه لكل ما هو حركي متوهج يفحم بصخب :الأنشطة الصاخبة /الحفلات المجنونه /رياضات المغامرة ومخاطره ,فكل هذا الانفعال يفقد الإنسان القدرة على شهور بل لحظات البسيطة, لذلك يقول لاكروا :"نحن في عصر لكي نشعر فيه بل حياة نحتاج فيه إلى تجارب عنيفة ",ومما أشار إليه أيضا أن هذا نهم في الأحاسيس القوية لا ودي فقط الى تردي الإحساس الذاتي وانما الى اتلاف العلاقات بين الاشخاص ايضا ,ومن أخطر الآثار المدمرة لهذا الطغيان العاطفية المعاصرة ,انهيار علاقات الزواج وغياب القيم الأصيلة في زواج وصداقة , مثل:الوفاء والاخلاص
لقد وعدت الحداثة الانسان بعيشة مرفهة بعيدا عن كل المنغصات ,ووعدته بسعادة الدائمة ,ووعدته بحياة لا تعرف التعاسة او الملل ,
ولكن من نظر في حال الحياة يتمعن وصدق سيدرك أن طبيعة الحياة هي تقلب بين الحزن والسرور وبين الضيق والفرج ولا يمكن لحال أبدا أن يدوم .
أما تلك الغربه الجانحة لازالة الحزن والالم وتثبيت السعادة والسرور في دوام ما هي إلى عناد لميزان الحياة "ولو كانت الحياة كذلك لأصبحت فردوسا ,وفردوس لا يوجد إلا في السماء ".
يشير الباحث عبد الله الوهيبي أنه لا سبيل إلى الخلاص من هذه الأزمة المعاصرة التي دمرت ميزان الإنساني لدى كثير من الناس ,في ظل تجاهل الإيمان الروحي .فدين يمنح المؤمنين إشباع عاطفي وشعورا كثيفا تتيح لنا الحياة الدينية مساحات كبيرة التأمل والخشوع .
" نحن بحاجة إلى شاعرية حقيقة لا إلى ادرينالين "
#ميشيل لاكروا
التعليقات