لاشيء اجمل من ان تحصد نتاج تعب السنين ..

سبع سنوات من التدريبات المكثفة والتحضر والتأهل تكللت برحلة مشوقة للقمر استمرت مدة 14 يوما ..

قصتي بدأت منذ الطفولة عندما اشترت لي والدتي كتاب بعنوان " موطأ قدم على القمر" والذي تحدث باسهاب حول تفاصيل اول رحلة أمريكية إلى القمر ..حيث اكتشفت ان هذا الحدث المهول يخفي وراءه العديد والعديد من الاسرار في شتى العلوم والمجالات

وبخيال طفلي بحت قلت بصوت عال انا ايضا ساذهب واطئ سطح القمر واقفز واتسلى ضمن نطاق جاذبيته الضعيفة ...

لم اكن وقتها اصدق (ورغم انني طفل صغير) ان هذا الكلام سيتحقق ..

شعور غريب وجميل ..سبحان الله اتأمل الاسبوعين الماضيين كانهما ضرب من الخيال ..

في الثانوية كنت متفوقا جدا في العلوم والرياضيات ..وكنت محظوظا جدا انني درست عند استاذ يعرف ويمثل معنى الاخلاص والشغف خير تمثيل ..

دعاني ذات يوم لزيارة جمعية الفلكيين في منطقتنا ..وهناك بدأت خيوط قصتي تتشابك ..سنة وراء سنة وشهر وراء شهر ..محاضرات تتلوها محاضرات

وعلاقات متشابكة مع اناس اخرين تربط بيننا النجوم الموجودة في الفضاء ..

شريط من الذكريات يوقظ جميع معاني الجمال في النفس ويجعل حتى اشد لحظات اليأس قابلة للتفاوض والتغيير ..

الى ان اتت وسط تلك الاحداث المتتابعة فرصة عابرة ...

لم تكن معالم الفرصة واضحة تماما مجرد مجلة كانت ضمن صندوق المنشورات الدورية وبينما انا اتصفحها رايت اعلانا عن فرصة للمشاركة برحلة فضائية تابعة لوكالة سويسرية ..

قد يبدو كلامي غريبا ولكن من باب المزحة قلت لصديقي سوف اذهب الى القمر واذا حققت هذا ستجلب لي شاورما ..والا اجلب لك انا ..

وبالفعل ارسلت بريدا بكل التفاصيل التي لم تسلم من بعض التضخيم ..

اليوم انا اكل الشاورما مستمتعا باجمل واغرب رهان كسبته ..

للحظ دور مهم في حياتنا ...وايضا خيوط قصتي مترابطة ايضا مع معاني الشغف والانفتاح الى كل جديد والامل الدائم بوجود الجميل واهم من ذلك كله روح دعابة مستمرة بين حين واخر ..

مرت فترة السفر والتدريب بلحظة واحدة واللحظة التي تليها

كنت مربوطا على الكرسي مرتديا زيي الرسمي اسمع العد التنازلي نحو الكتلة البيضاء المضيئة في السماء.

شعرت ان الاقلاع اصعب مرحلة من بين كل مراحل قصتي

فضلا عن ضغوطه الفيزيولوجية التي لا يمكن اخفاءها ...لم استطع التوقف عن فكرة وماذا لو ضعنا في الفضاء السحيق؟!

انا على ابواب اكبر شكل من اشكال الغربة ..

سيصبح حبلي الوحيد للارتباط مع الحياة صوت راديو مشوش يسألني عن حالة وسط فضاء سحيق ..

في الفضاء كل شيء كان مختلف ..ولذلك قمنا بالرحلة ..

يمتلك الزمن معنى مختلف تماما

فجأة كل ما اعتدت عليه من قلق على فوات الاوان ..مواعيد متاخرة ..ديدلاين ..مهمات ..دوام ..فجأة ينحل وسط هدوء الفضاء الفسيح فتصبح حياتك القصيرة ممتدة بامتداد حياة الكون ..ويصبح ذهنك هائما طائفا في اللحظة الحالية ممتصا كل جزء بسيط منها ..

اما المكان ..فعليك ان تنسى الحدود والخرائط ..وتنسى كل قوانين الحساب ..وكل قاعدة من قواعد القياس

المكان هناك يكفي الجميع

تشعر وسطه وكان هناك فراغ فسيح يحاوطك من كل جانب ..

يا الهي ما اعمق الحياة ..

ومهما بلغ الصخب على الارض فان الكون كالشيخ الوقر يجلس صامتا مستمعا لكل ما فيه بكل هيبة واجلال ..

انتهى طريق الرحلة ..

كنت متعبا قليلا ..

فتحت الابواب ..

نزلت وخطوت الخطوات الاولى على القمر ..

في البداية شعرت بانحلال كل مفاصلي ..واحسست انني فارغ من الداخل ..وبدأت احاول الطيران بشكل جدي .

وخلال ربع ساعة فقط كان دماغي قد تبرمج بشكل ممتاز مع جاذبية القمر..

كانت مهمتي واضحة ومحددة وهي اختبار بعض خصائص الموائع(السوائل ) تحت تاثير الجاذبية الضعيف ....باختصار شديد فيزياء الموائع من اصعب المواضيع

ودراستها تحت تاثير الجاذبية الضعيفة (اضعف بست مرات من سطح القمر) كان كعرض فيديو مبطأ للسدس

مما يسمح لك بالتمعن بالتفاصيل بوضوح ..

وايضا يمكن ربط النتائج مع مشاهدات التلسكوب الارضي حول البحيرات القمرية وغير القمرية ..

حييت الارض تحية لطيفة ووضبت اموري للرجعة ..

برهة قصيرة ..انا في منزلي وكانني استيقظت من حلم جميل ...ولكن بحثي المرفق في حسابي حول قوانين التوتر السطحي للسوائل كان البرهان المنطقي على ان ما حدث كان واقعا ..