أنا لا أتحدث عن الرواية أو القصة كاملةً..فبالطبع الغالبية تفضل أن تكتب بالعربية الفصحى
حديثي هنا عن الحوار الوارد بها..هل تفضل أن يكون بالعربية الفصحى أم باللهجة العامية
خاصة إن كان الحوار يدور بين أشخاص من المعروف عنهم تحدثهم باللهجة العامية
موضوع مهم . من ناحية شخصية لا يوجد لدي تفضيل مميز . المهم ان يكون البناء متكاملا والسرد مميز . هناك فريقان احدهم يرى انه لا ضرورة للعامية حتى في الحوارات . ولا داعي لهذا الترقيع بين الفصحى و العامية لانه امر مستهجن ، والاخرون يرون ان الامر بالعكس هو زيادة في ثراء العربية و الاستفادة من المخزون الشعبي المهم للعامية وحفظٌ لها بالطبع . وانا مع هذا الرأي ان كان الاستخدام يخضع لضوابط علميّة أو فنية جمالية . أما اعتباطيا فلا .
لاحظ جيدا انه لا يمكن ان يخلو كتاب حتى من الكتب العربية في بدايتها ، ان يخلو تماما من اي كلمة عامية فهذا شبه مستحيل . ما عدا القرآن الكريم والحديث الشريف الصحيح .وبعض كتب النحو التي هي المرجع العتيد للمتعصبين للغة تحوي كلمات مثل ايش . وقد يقولون انها وردت في معرض التعلم . و اما اللغويين فهم لم يوردوها فقط لذلك الأمر بل لأمر الحفظ والأرشفة أيضا. ، وأيضا قد تعتقد مثلا ان بعض الكلمات عامية لكنها ليست كذلك . فكلمة الذيب مثلا ليست عامية بل هي فصيحة وهي قراءة قرآنية .
اضافة الى العلماء اللغويين العرب العباقرة قد حرروا في هذا الامر وكتبوا في لحن العامة وتصحيح المنطق وكتبوا تلك الكلمات لهذا فنحن نعرف من ناحية لغوية تاريخية كيف كان يعبر تقريبا المسلمون في العصر العباسي وفي العصر الاموي وفي العصر الاندلسي .بشكل دقيق ولم نكن لنعرف هذا لولا الحفظ اللغوي المهم جدا للعامية فبعد اربعين سنة مثلا وتطور اللغة الكثير من التعابير تتغير ولولا هذه الروايات الان فلن نستطيع معرفة بدقة كيف كان اهل تلك الفترة يعبرون بشكل تام . ( قد يعترض هنا على ان المسالة حلت بالتسجيل الصوتي والمرئي ولن نناقش الموضوع هذا كي لا نطيل جدا ).
من فوائد الحفاظ على العامية في الكتب:
حفظ التراث الشعبي العربي غير المادي .
معرفة بعض الجذور المهمة لكلماتنا العربية العامية الحالية .
قيمة علمية وفوائد لغوية في الحفاظ عليها .تتمثل في فائدة العملية للامثال الشعبية والوصفات المهمة والحكمة . وهذا مما اشار له النبي عليه السلام في المثل لمشهور الذي الان لايزال يستعمل في ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى ...
حفظ التنوع واثراء القاموس المعجمي العربي الفصيح .
للاطلاع على العامية المصرية في العهد المملوكي حوالي 1311م : بن دانيل في خيال الظل . ( مسرحيات عربية بالعامية )
لولا كتابة بن دانيل لمسرحياته بالعامية بدل الفصحى فلم نكن لنعرف اي شيء عن كيف كانوا يتكلمون في تلك الفترة اي 1311 ميلادية .وما قبلها وما بعدها بقليل فهذا الكتاب كنز لغوي فعلا .
للاطلاع أكثر على معلومات مهمة في الموضوع مقدمة المعجم العربي الجديد لهادي العلوي .
الكاتب العربي المفضل لدي على الإطلاق غسان كنفاني رحمه الله (كانت البارحة ذكرى اغتياله) كان يكتب الحوار بالفصحى لكن حواراته كانت تجري بسهولةٍ على اللسان، يمكن للقارئ أن يتخيل أناساً حقيقيين يتبادلون الحديث الذي كتب.
لكن هذه موهبةٌ نادرةٌ بين الكتاب الذين قرأت لهم. الأغلبية العظمى غير قادرةٍ على كتابة حوارٍ بالفصحى يقترب من طريقتنا في الكلام باللهجات المحكية، لذا أفضّل أن يكتبوا الحوار بالمحكية حتى تكون الرواية أكثر سلاسةً وأكثر واقعية.
التعليقات