ملاحظة: سأكون سعيدة بسماع آرائكم ووجهات نظركم حول أسلوب الكتابه وهل وفقت فى تحليل ولو جزء بسيط من الرواية.

 رواية السراب لكاتبها نجيب محفوظ الذي ولد في عام 1911م في حي الجمالية بالقاهرة وتوفى في 30 أغسطس 2006 في حي العجوزة بمحافظة الجيزة في مصر تاركا خلفه أثرا عميقا في الأدب العربي والإسلامي فهو روائي وكاتب حائز على جائزة نوبل ويعتبر من أهم كتّاب القرن العشرين انهمك في أواخر سنواته الأربعين في كتابة روايته المسماة ب “السراب" والتي أصدرها عام 1948م مباشرة بعد روايته "زقاق المدق" هذه الفترة التي زاد فيها الاهتمام بالدراسات النفسية ترجمة وتأليفا في مصر فيظهر في أحد أبعاد الرواية ترجمة لبعض أهم النظريات الفرويدية التي تهتم بفهم الطبيعة الباطنية للعقل البشري وأثرها على السلوك والتجارب الحياتية فهي كما قال كاتبها رواية نفسية تربوية حيث عاني فيها البطل من مشاكل نفسية نتيجة تعلق الأم به بشكل مبالغ فيه نتيجة فقدها لأبنين اخذهما طليقها منها هذه الاضطرابات النفسية تضع البطل في مشاكل لا حصر لها.

فتبدأ الرواية بالتركيز على فترة الطفولة لكامل وهو الشخصية الرئيسية والتي تدول حولها الأحدث وعلى علاقته بأمه التي طلقت من أبيه السكير الذى انعزل عنهم تمامًا بعد أن أخذ في حضانته إخوة كامل وهم " مدحت" و " راضية" فيبدأ كامل بالتعلق بأمه تعلقًا مرضيًا بسبب سلوك أمه فهي عزلته عن العالم ومنعته من الاختلاط بالأطفال كما كانت تُلبِسه ملابس النساء صغيرًا وظل ينام في حضنها حتى سن البلوغ وما أراد الكاتب التأكيد عليه من عرض هذا الجانب من حياة كامل هو ثبات جوهر الشخصية عند سن الطفولة فلم تنضج شخصيته مع نضج جسمه وهذه النقطة مفتاح فهم الشخصية وأزماتها وهي مفتاح للرواية كلها فهذه التربية كانت بالأساس هي العقدة التي منعت الصلة بين كامل وبين المجتمع فالبطل عاجز عن الحياة في هذا المجتمع ولا تبدو هنا المشكلة في المجتمع كما في روايات نجيب محفوظ الأخرى، بل هنا المشكلة في كامل نفسه.

فأزمة البطل متمثلة في فقدانه للثقة في نفسه مما جعله غير قادر على التواصل مع الناس وكذلك الخجل الشديد الذي مثَّل عائقًا أمامه للاندماج في المجتمع وقد سبَّب له هذا الأمر مشكلتين كبيرتين في حياته الأولى: فشله الدراسي التام والثانية: فشله الجنسي مع زوجته وحبيبته " رباب" لقد ظل كامل يبحث طول الرواية عن سراب الحرية، حرية التخلص من أسر أمه لكن لم تكن المشكلة في أمه بقدر ما كانت فيه هو شخصيًا في عجزه عن كسر تعلقه بأمه وتجاوز فكرة الطفولة التي بلا مسؤوليات ولذلك نجح كامل في العلاقة الجنسية مع العاهرة " عينيات" وفشل مع زوجته " رباب"؛ فالعاهرة كانت تقود العلاقة تمامًا وتأخذ كل المبادرات كان تنزع عنه هذه المسؤولية وفي دلالة لمعاملة العاهرة لكامل كطفل وضع محفوظ كلمة على لسان العاهرة كانت تداعب بها كامل وهي " كتكوتي"، كدلالة عن بحثه عن الأمومة حتى في صورة تلك العاهرة التي فهمت مدخل كامل تمامًا.

فرواية السراب تصف الحالة المرضية السيكولوجية المصاب بها كامل وتأثير هذا المرض السيكولوجي المتمثل في "الرهاب الاجتماعي" على سلوكياته في الجامعة والعمل وتعلقه برباب وتتبعها ومراقبتها إلى أن يتزوجها، ثم أزمته الجنسية، ثم المفاجأة المدوية التي صدمنا بها الكاتب في نهاية الرواية عن" رباب" أثناء ذلك الخط السردي المطول هنا تظهر مشكلة بالنسبة لك كقارئ، أنَّ محفوظ يحاول بكل جهده أن يُفقدِك تعاطفك مع الجميع، حتى مع تلك الشخصيات التي تبدو ظاهريًا متفانية مثل الجد والأم و الزوجة، وفي كل ذلك يضعك محفوظ أمام الحدث مباشرة بل تتجلى في بناء الشخصيات قدرية نجيب محفوظ حول وراثة المآسي، فهذا كامل يسكر كأبيه ويرتمي في حضن العاهرات، بل كامل يتهم نفسه أنه قتل أمه كما حاول أبوه من قبل قتل والده وعندما يريد أن يبني لنفسه عالمًا جديدًا اختار التصوف لكن تظهر في آخر الرواية تلك العاهرة مرة أخرى ليبدأ معها كامل الرحلة من جديد وكأنه ما هرب من أسر أمه البيولوجية إلا ليقع في أسر من تحسسه بالأمومة السيكولوجية وهكذا يجري كامل عبر صفحات الرواية خلف سراب.

ونرى الكثير من معانته التي أوصلته لهذه الحالة كما يقول: "ولكني وجدتُ الحياة أشقَّ مما هيَّأ لي الأمل، فحالَ خجلي الشديدُ ونفوري من الناس دونَ اكتسابِ صديق، وضيَّع شرودُ ذهني عليَّ اجتهادي هباءً! لشدَّ ما عانيتُ من شرود ذهني! الذي سلَبني عقلي وأفقَدَني كلَّ قُدرةٍ على الانتباه وتركيز الفكر، وجعلني صيدًا سهلًا للمدرِّسين" ويقول: "ما كان اليأس إلا ليزيدني هياما وولعا، ويشب في قلبي أشواقا وأحزانا ما أسرع أن ينقلب الحب اليائس ثورة على الحياة أليس من الهزء بنا أن نخلق لحياة ثم يحال بيننا وبينها؟" ويقول وهو يصف حبه لزوجته: "إني أحبك يا حياتى، أحبك حباً هو من أعاجيب الكون كدوران الأفلاك سواء بسواء، ولشد ما أتمنى أن أقول لك (أحبك) فى يقظتى ولكنى لا أستطيع، إن الخجل أبكم يا حياتى، والفقر سجن شاهق الجدران، ولا حق لامرئ لا يملك من مرتبه إلا جنيهاً ونصف أن يبوح بحبه لملاك كريم مثلك، ولكنى أحبك بالرغم من هذا كله، ولا أطيق أن تعرضى عن حبى، وأكاد أجن حين أرى تطلع الرجلين الثقيلين إليك، فشجعينى يا حياتى، أشيرى إلى، ابتسمى فى وجهى، ما فى ذلك من بأس ما دمت محباً صادقاً كما لابد تعلمين، وما دمت عاجزاً ميئوساً منه كما لابد تدركين … آه …".

وبقدر توغل نجيب محفوظ في شخصية “كامل" البطل والوصف الدقيق لمشاعره حتى وصل به الحال الى وصف أنفاس البطل إزاء كل موقف يتعرض له إلا انه في وصفه للشخصيات الثانوية في الرواية كان سطحيا بلا أعماق وغير محدد الملامح فدورها الأساسي هو استمرار الحبكة الدرامية للرواية مثل والد رباب" جبر بك" ووصفه بأنه خاضع لزوجته، ومع ذلك لم نجد لهذه الصفة أثرًا في الرواية، وكذلك الزوجة "رباب" التي صدمنا فيها محفوظ دون بيان موضوعي لدوافع خيانتها لزوجها مع الدكتور الذي قلب الرواية وأثر بشكل كبير على حياة البطل، وهذه مشكلة عامة في روايات محفوظ، وهي فكرة حتمية السقوط تحت دوافع الاحتياج المادي أو النفسي لكن برغم من لك يظهر بناء الرواية متماسكا.

وغلب على الرواية الوصف الشديد لمشاعر البطل وباقي الشخصيات ما يجعلك تتصور كل ما يحدث حتى تصل لحد التصديق لشدة التفاصيل وهذا مما ميز رواية "السراب" عن باقي روايات نجيب محفوظ حيث استخدم فيها الأسلوب الروائي الذي يعتبر الرواية تجريداً للواقع وللحياة عموماً، ويتميز بقوة الوصف والكلمة المعبرة كما استخدم الرمزية حيث استخدم في الرواية الكثير من الرموز والرموز الحيوية، كالطير والبحر والورد، لتعبر عن حالات معينة ولإيصال معان مختلفة.

ويقدم نجيب محفوظ في هذه الرواية صراعًا معقدًا بين الفرد والمجتمع بطريقة مميزة ومعبرة في الرواية، يواجه البطل رصد بجدية من قبل المجتمع المحلي، والذي ينظر إليه على أنه شخص غريب ومثير للقلق ومن خلال تفاعلاته مع الناس في القرية، فيظهر البطل بوضوح كمحاولة للفرد للتأقلم مع المجتمع المحيط به ومع ذلك يصبح من الصعب عليه تحقيق هذا الهدف، نظرًا لتسلط قوى المجتمع وتقييداتها عليه.

تمثل الرواية نوعًا من القصص التي تتواجه فيها قوة الفرد بالسلطة والاضطهاد، وتسلط الضوء على التناقضات والصراعات التي تحدث بين الفرد والمجتمع يقوم المؤلف بإيضاح مدى قوة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في تحديد مدى قبول الفرد في المجتمع، ويظهر أن الفرد قد يجد صعوبة في العثور على مكان له في المجتمع إذا لم يتم استقباله بشكل جيد، والنتيجة هي أن "السراب" تبرز بشكل متقن صراعًا بين الفرد والمجتمع، ويؤكد المؤلف بأن الدافع الرئيسي للفرد هو التأقلم مع المجتمع وتحقيق الاندماج فيه بأقصى درجة ممكنة.

وتلعب الطقوس والعادات دورًا مهمًا في رواية "السراب" لنجيب محفوظ، حيث تعد هذه العناصر أحد الجوانب الرئيسية للثقافة والحياة المصرية. وتظهر الطقوس والعادات بشكل واضح في رواية "السراب" من خلال تصوير موروث الأجداد والتقاليد الشعبية، وقد قام المؤلف بتصوير الطقوس والعادات بشكل دقيق وواقعي، مما يجعل القارئ يشعر بأنها جزء لا يتجزأ من حياة الشخصيات والمجتمع المصري بأكمله كما تعمل الطقوس والعادات على إضفاء الطابع الثقافي والتاريخي على الرواية وتعزيز الحب والانتماء للوطن والثقافة المصرية.

فتشكل "السراب" مرآة للمجتمع المصري في عصر نجيب محفوظ بطريقة عدة أولاً، يصور الرواية حياة الطبقة الوسطى في مصر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، والتي تجسد معظم الأفكار والتحديات الاجتماعية والثقافية التي كانت تواجه المجتمع المصري في ذلك الوقت ثانيًا: يتناول الرواية بشكل خاص قضية التعليم والثقافة ودورهما في تحديث المجتمع المصري وتطويره فالرواية تصور النزعة الثقافية التي كانت تملأ الطبقة الوسطى في ذلك الوقت والتي كانت تحاول الاقتداء بالثقافة الغربية وتطبيقها في حياتها اليومية، في محاولة لمواكبة التغييرات الاجتماعية والثقافية التي كانت تشهدها مصر والعالم في ذلك الوقت وأخيرًا، تصور الرواية بشكل عام حالة الفوضى والتدهور التي كان يمر بها المجتمع المصري في ذلك الوقت، والتي انعكست على العلاقات الاجتماعية والأسرية والشخصية للأفراد، وهو ما يعكس بدوره تحولات المجتمع المصري وتأثيرها على حياة الفرد وعلاقته بالآخرين.

تتناول رواية "السراب" للكاتب العربي نجيب محفوظ العديد من القضايا الأدبية، منها الواقعية السحرية فتقدم الرواية عالمًا سحريًا، يتميز بالواقعية السحرية التي تميز أعمال محفوظ والوجودية فتتناول الرواية موضوعات الوجودية الأساسية، مثل الحرية، والموت والانعزال والغربة والعلاقات الإنسانية فتركز الرواية على شخصياتها الرئيسية وعلاقاتهم المعقدة، بما في ذلك علاقات الحب والصداقة والخيانة والسياسة والتاريخ فتتناول الرواية الأحداث التاريخية المهمة في مصر في فترة الأربعينيات والخمسينيات، بما في ذلك الثورة المصرية عام1952    والثقافة والتراث فتتناول الرواية الثقافة والتراث المصري، بما في ذلك الشعر والأدب والموسيقى والفنون وكذلك الدين والإيمان فتتناول الرواية بعض الجوانب الدينية والإيمانية، بما في ذلك الصلاة والقرآن والإسلام.

كما تناولت عدة قضايا اجتماعية من بينها الطبقية والتمييز الاجتماعي حيث يتناول المؤلف الفروقات الطبقية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في المجتمع المصري، والبطالة والفقر حيث تظهر هذه الظاهرتان بوضوح في حياة الشخصيات الرئيسية في الرواية وتؤثر على مصيرهم ومستقبلهم، والزواج والعلاقات الاجتماعية حيث يعرض المؤلف تأثير العلاقات الاجتماعية والزواجية على حياة الأفراد وتمثل بشكل خاص في علاقة الشخصية الرئيسية بزوجتها وعائلتها، والدين والتدين حيث تظهر الدينية في الرواية بوصف المشاهد الدينية في المسجد والتأثير الذي يمارسه الدين على الشخصيات، والهوية الوطنية حيث تتطرق الرواية إلى موضوع الهوية الوطنية والتحولات الحديثة التي تطرأ على المجتمع المصري في الفترة التي تدور فيها الأحداث.