{لكِنَّا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدًا}

في إعراب هذه الآية فائدة لطيفة، وهي أن (لكنَّا) هذه ليست (لكنَّ) المشددة، وأصلها (لكنْ أنا)، ثم أُدغمت (لكنْ) المخفَّفة في ضمير المتكلم (أنا) وحُذفت الهمزة، فالتقى مِثلان وهما نون (لكن) ونون (أنا) فأُدغِمتا.

كما أدغمت العرب (نِعم ما) فقالت (نِعِمَّا).

وتأمل الدائرة المستطيلة التي يُثبتها خطاطو المصحف دلالةً على الألف التي تثبُت وقفًا وتسقط وصلًا، ولا توضع باطّراد إلا على (أنا)، وهي هي الدائرة التي على آخر (لكنَّا).

وهكذا تُعرب على القول الأشهر في مراجع إعراب القرآن:

لكنْ: حرف استدراك مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

أنا: ضمير مبني على السكون في محل رفع مبتدأ أول.

هو: ضميرُ الشأن مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ ثانٍ.

الله: مبتدأ ثالث مرفوع وعلامة رفعة الضمة الظاهرة.

ربي: خبر المبتدأ الثالث مرفوع وعلامة رفعة الضمة المقدرة، منع من ظهورها اشتغالُ المحل بحركة المناسبة لياء المتكلم، وياء المتكلم ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.

والجملة الاسمية (الله ربي) في محل رفع خبر المبتدأ الثاني (هو).

والجملة الاسمية (هو الله ربي) في محل رفع خبر المبتدأ الأول (أنا).

تعدَّد المبتدأ في هذه الآية فجاء فيها ثلاثة مبتدآت، وهي (أنا) و(هو) و(الله)، وما أشبهه بقول الناس: (أنا رأيي في المسألة كذا)، و(هو باله طويل)، و(هم حيُّهم شوارعُه نظيفة)، وكأنْ تقول إحدى الأمهات: (أنا ابني في ثالثة جامعة) فتقول صاحبتها (أنا ابني متخرج)، كأنهما تقصدان: أما أنا فابني في السنة الثالثة. وأما أنا فابني متخرج.

فكأنّ صاحبَ صاحبِ الجنتين يقول لصاحبه: أما أنت فكفرت بالله ونعمته، وأما أنا فهو الله ربي.

ومن هذا قول الشاعر:

يا ليلُ الصَّبُّ متى غدُه *** أقِيامُ الساعةِ موعدُهُ

و(الصَّبُّ) هنا مبتدأ أول، و(غدُه) مبتدأ ثانٍ مؤخر، والجملة الاسمية (متى غده) في محل رفع خبر المبتدأ الأول (الصب)، وأصل الكلام -في غير البيت- (متى غدُ الصب).

فهذا أسلوب فصيحٌ عاميٌّ قرآنيٌّ سهلٌ ممتنع، نكاد نهجره في كتابتنا وترجمتنا، وطوبى لمن أحياه.