ذات مساء زُرت إحدى المكتبات الجميلة في عنيزة الخضراء، وكعادتي لا أتقصد عناوين بعينها .. لأعطي للمكتبة حقها في أن تقدم لي ما تُريد .. وبينما كنت أمشي بين ممراتها الهادئة اذ اختطف ناظريّ كتاب على إحدى الأرفف عنونه كاتبه بأسرار اللغة العربية .. فقلت في نفسي هل للغة الأم التي وُلدت بها وعشت وتعايشت معها أسرار !!!
وفي اليوم التالي ومع إشراقة صباح جميل .. وعبق القهوة يفتح آفاق القراءة في روحي .. تناولت ذلك الكتاب واستفتحه بفهرس الموضوعات لأجد نفسي تعلقت به أيما تعلق .. ومن فصل لآخر وبين طياته الجميلة وعناوينه البرّاقة خطفت شيئاً منه لم يخطر في بالي منذ نعومة أظفاري.
ولعل الحديث عن اللغة العربية واسع الآفاق .. كالفضاء المتزين بالنجوم .. وكالبحر المغمور باللؤلؤ المكنون .. وفيها ومنها وبها وإليها وعليها يدور كل ما في الكون بين الكاف والنون .. قصص وروايات .. أحداث ومواقف .. تاريخ وأشخاص .. دين ودنيا .. الماضي والحاضر والمستقبل .. وقبل كل شيء وأي شيء القرآن الكريم بلسان عربي مبين.
نحن أمة شرفها الله تبارك وتعالى بأن بعث إليها خير الأنبياء عربياً قُرشياً وأنزل عليه القرآن حتى بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده (صلوات الله وسلامه عليه) وحريٌ بنا أن نُكرس جزءاً من حياتنا لحماية العديد من الانتهاكات التي تتعرض لها اللغة العربية.
لقد بُنيت الأجيال السابقة على مناهج علمية حافظت على الهوية اللغوية وسخّرت كافّة الإمكانات المحلية والإقليمية والعالمية لخدمة اللغة العربية، فالتعليم مثلاً أقرّ العديد من المقررات التي عكست كفاءة الخريجين في فنون التعبير وسلامة الإملاء وجمال الخط بفنونه المتنوعة وفصاحة المنطوق بالمخارج الصوتية الصحيحة، فأعطت الحروف الـثماني والعشرين حقها ومستحقها الحقيقي، حتى أصبحت الذائقة اللغوية فخراً وتاجاً يعلو فوق كل العلوم.
وفي معرض الحديث عن روعة اللغة العربية وإعجازها وما لا يصل إلى آيات القرأن الكريم، دأب العديد من المفكرين والشعراء والنقاد والأدباء وغيرهم على سرد العديد من اللطائف حول قصائد بدون أحرف منقطة، وأبيات أخرى تُقرأ بذات المعنى من كلتا الجهتين، وآخر لديه لتغة بحرف الراء فيلقي خطبة كاملة مستبعداً كل الكلمات التي تحتوي على حرف الراء، وآخر ينسج ألغازاً على إيقاع حروف اللغة، وما السجع والإعراب والحركات والموصول والإشارة وخبر المبتدأ وفاعل الفعل ووزن البيت من وزن القصيدة وليت ولعل وكان وصار وإن وكأن إلا بلاغة الفن الأصيل للغة العربية لمن أجاد نسج خيوط الذائقة الرفيعة وحياكة تاريخ الأدب العربي العظيم.
شكراً لكل من صان لغتنا ومجدنا وماضينا وأمسنا .. شكراً
التعليقات