والدي شخص شمحطي، مثلي تماما، ولا أعرف كيف أتصرف معه، هو عاقل وذكي جدا، لكن أصابه بعض الخرف يجعله لا يميزني أو يمشي منكبا على وجهه في الشوارع. لا يثق في أحد، يتبول في أي مكان، ويجلس أو ينام في أي مكان في الشوارع. يمكنه أن يحاججك حول حقوقه، وأن له الحق في فعل ما يريد، حتى ولو على حساب الناس في الشارع، وأن عليهم تحمله بحكم مرضه. نحن نسكن في المرج، في منطقة اسمها الفلاحة، قد يؤدي بي الأمر إلى افتعال مشكلة، بل وفعل مصيبة لو تشاجر معه أحد. هو يتشاجر معي ومع الجميع باستمرار. لا أستطيع أن ألقي به في دار مسنين، ويأبى أن يستقر في مشفى للحصول على الرعاية اللازمة. ناهز الثمانين، ومريض بالسكري والقلب وذات الرئة والضغط (يرتفع إلى 250) ومدخن شره رغم كل ذلك، ومشاكل أخرى لا أعرف كيف تبقيه حيا، فهو مثلا ينزف بضراوة من فتحتي الشرج والدبر، ولا يكف عن الحركة رغم تحذيرات الأطباء. أبكي والله وأنا أكتب هذه الكلمات، وفكرت أن أسأل جواب فقهي لولا أنني غير مشترك في أي مكان آخر يتيح الأسئلة إلا هنا. أبكي لأني عاجز عن مراعاته، والمشكلة ليست مالية هنا، بل فيه هو، هو يرفض أي رعاية داخل أي مستشفى، وبالطبع لا يمكن حاليا توفير رعاية طبية مستمرة في البيت. أقسو عليه كثيرا جدا، وهذا أكثر ما يؤلمني. جربت معه كل شيء. ولا أستطيع أن أحبسه، لا في البيت، ولا في المستشفى، ولا في دار مسنين. هو يرفض تقريبا أي رعاية، لديه هوس بأن يفعل كل شيء بنفسه، ويبكي متوسلا أن نتركه في حاله. ولكي أشرح لكم حجم الكارثة، صار من المعتاد أن نذهب به إلى طوارئ المستشفيات بين يوم وآخر، ويجتمع حوله كل أطباء الاستقبال للعناية به مع سب ولعن لنا لتجاهلنا والدنا وتركه ليصل إلى حالة تكاد تودي بحياته. قد يظل في غيبوبة لأيام، وأول ما يفيق ترجع ريمة لعادتها القديمة. هو قادر على مصارعتي بإصرار غريب، وعلى مصارعة الأطباء رغم أنه غير قادر إلتقاط أنفاسه، ويديه ترتعش دائما.

وهذا غيض من فيض

ما العمل؟