اذا كنا نعلم أن هذه الحياة مؤقتة وزائفة وستكون لنا حياة ثانية مغايرة ومريحة لماذا لا نعمل من أجل الحياة الثانية (الاخرة) في حين أننا اصبحنا مهتمين بالحياة المؤقتة وأهملنا الدائمة لنا
لماذا نصارع في هذه الحياة كثيرا؟
الحياة مؤقتة فعلاً ، لكنها ليست زائفة فنحن لسنا فى فيلم ماتريكس ، ولكن فى واقع وتعايش حقيقى واختبار قوى لسرائرنا .
إن لم نهم لمواجهة الدنياً ، وارتكنا خلف الجدران واعتزلناها ستهب هى علينا لتنهينا ، حينها لن تنالى الدنيا ولا الأخرة وستكون الهزيمة من الدنيا مرة فهى لا ترحم .
خلق الله الدنيا ليخاض غمارها لتمحص عن مكونات صدورنا ، ولا مناص من هذا الاختبار بين النفس وفتنة الدنياً ، مع العلم بأن هناك حظ للنفس من الدنيا لابد أن تأخذه ، فهناك نفوس تأخذه وترضى ، وأخرى تأخذه وتطغي .
وميزان ذلك كله فطام النفس على القليل من زاد الدنيا حتى ولو وضع في مقاديرها مال قارون .
ماذا لو كانت الحياة التي نعيشها هي الوحيدة التي نملكها ونحن بسبب تعلقنا بالأمل في الأخرى ننسى وجودنا الفعلي ونقبل بالظلم وغياب العدل مثلًا لأننا سنجازى في الأخرة مما يعيق قدرتنا على الفعل وإمكانية تغيير الواقع بشكل عام؟
بعيداً عن الكلام الماورائي، أريد أن ألفت حضرتك إلى مسألة مهمّة جداً على المستوى السيكولوجي قد قرأتها مرّة في عدّة كتب تبحث في التحليل النفسي والمراقبة، يُمكن للإنسان ببساطة أن يُدمّر جملته العصبية وحياته بالكليّة في حال اقتنع فعلاً بأنهُ يعيش على جسر، أي أنّ كل ما يفعله اليوم لا يعني منه إلا غداً، هذا الأمر مجهد نفسياً، سيسبب أيضاً قلق دائم، شعور بالذنب يترافق مع حزن أحياناً غير مبرر، تعب جسدي والأهم من كل ذلك سيكون وضع الشخص المُتبنّي لأفكار تنزع عنه الاستمتاع بالحياة والتمتّع بها باعتدال بفقر، سيشعر بأنّهُ فقير وربما سيصبح فقير جداً الأن بسبب عدم اهتمامه في الدنيا، ما أريد أن أصل إليه واضح، إدارة الافكار لها أولوية عظيمة وتأثير أكثر من عظيم على النفسية، يمكننا أن نجمع بين هدفنا الحالي في الحياة والمستقبلي في ما بعدها، دون أن نلغي أيّاً منها، التوازن يصنع إنسان راضي ومتوازن نفسياً، سليم ومعافى.
اسمح لي بالاختلاف السريع والذي أحسبه جوهريا هنا هكذا:
أساس السؤال والكلام بالأصل هو عن موضوع "ماورائي"، فكيف ننحي الفكر والتعلق به بعيدا إلى أفكار ومناحي مادية دنيوية (منغمسة في الدنيا أفقيا بعيدا عن البُعد الرأسي "السماوي" الذي يصل العبد بربهم الخلق بخالقهم) (وطبعا أعني الأفكار الشرقية البوذية وما إلى ذلك)
لا يوجد أي دين أو معتقد فلسفي أو علمي أو تربوي أو أي شيء في تراث الإنسانية يدعو أي شخص لأن يترك العالم الحقيقي ويلتفت إلى الماورائي، يمكنك مراجعة كل تراث الإنسانية، هنا لا أتكلم عن الدين فقط، كل شيء حرفياً، هذا ما لاحظه الكثير من الفلاسفة، في أنّ كل شيء كان يدعوا إلى العكس تماماً، إلى الاهتمام بشؤون الدنيا، بالعمل والحماية والرزق ومساعدة الناس وصلة الرحم وبناء الأرض وإعمارها وتزيين الحياة بالأبناء وبالمال وإلى أخره، أي شأن يعلو بالإنسان بالكليّة عن ممارسة حياته الدنيوية بيسر سيجعله أضعف ومشوّش جداً.
لعلي لم أوضح تعليقي كفاية (فيبدو أنه لم يصلك مقصودي بالضبط)
اتفق معاك على الإجماع حول التعامل مع العالم الحقيقي الواقعي فهو واقعنا أصلنا فكيف لا نهتم به. (راجع كلمتي فالذم كان "للانغماس فيه أفقيا": أفقيا بمعنى أن لا بُعد ماورائي هي فقط دنيا وحسب)
ولكن الاختلاف هو كان أن نأخذ من فلسفات وحِكم أهل المادة الذي لا يؤمنون من ورائها شيء ثم نجلبها لموضوع هو أساسه "ماورائي" (يتحدث عن الدار الآخرة وحساب وجزاء ونعيم أبدي مقيم أو جحيم) فاهم قاصدي؟
ولكن طبعا وأكيد للاهتمام بالدنيا والعالم الحقيقي المعيش هو أساس وأسباب بين أيدينا (بل راجع تعليقي العام على المقالة نفسها ستجد أني ذكرت حرفيا: "وهل الدنيا إلا مزرعة للآخرة")
ولكن الحياة الأولى (الدنيا من الدنو القرب في يديك الآن) ما هي إلا "مزرعة" للحياة الثانية (الآخرة).
هي "مؤقتة" صحيح ولكن (إذا تأملنا وتحققنا) هي الفرصة الوحيدة لعمار الآخرة.
أما الوصف بـ"الزائفة" فينبغي أن نتريث عنده ونحذر شيئا ما فالوصف قد يربك إن ذكر على اطلاقه دون تقييد. إي نعم هي "زائفة" غرورة تغرّ —"دنيا" من الحقارة لأنها زائلة ليست دار قرار أو دار تنعم— يركن إليها، نعم كل هذا صحيح تماما. ولكن الإرباك قد يحصل لما نغفل أنها لا زالت حياة حقيقية وفرصة لا تعوض وأساس تبنى عليه الدار التالية فمن هذه الناحية الحياة الدنيا هامة للغاية بل غاية في الأهمية فهي دار التكليف (والعبودية لله) ومحل التكريم واسجاد الملائكة (وحتى الجن) فهي فرصة الترقى لما أعلى من الملائكة ما شاء الله لا قوة إلا بالله أو التردي لما هو أسفل السافلين والعياذ بالله.
والأعجب (من وقع السؤال المطروح بالمنشور نفسه) أنها "دار العمل" أصلا (والمنشور يتساؤل ويتكلم عن "العمل")
هي دار "العمل" والدار الآخرة هي دار السعادة أو الشقاوة بهذا العمل.
التعليقات