راقبت تتابع أرقام الطوابق بذهن شارد، وأفاقت على صوت الرنين ينذرها بوصولها للطابق المنشود، لترفع عينيها الشاردتين وترى الرقم ١٣ يومض بلونه الأحمر. أخذت أنفاسها بصعوبة تحاول التذكر: أين هي بحق الجحيم؟ لماذا لا ترتدي سوى السواد؟ لماذا دخلت هذا المبنى من الأساس؟ هي حقًا لا تستطيع التذكر.

أخذت خطوات مترددة، لتشعر بأنفاسها تكاد تسلب منها لما رأته. طابق مخيف يضيء بومضات ضوء أبيض باهت يأتي من مصباح ما لا تستطع رؤيته. إن نظرت هنا أو هناك لاستطاعت رؤية الجدران ذات اللون الرمادي المتساقط، وعلى جانبي الحائط انتشرت العديد من الأبواب السوداء الملطخة بلون أحمر باهت، لون بدا لها تحت الومضات المخيفة كما لو أنه دماء أحدهم.

تراجعت بخطوات سريعة، خائفة تحاول الرجوع للمصعد والهروب بعيدًا، وبأصابع مرتعشة ضغطت زر المصعد عدة مرات، شعرت بأعصابها تكاد تحترق وهي تراقب تتابع الأرقام تطمئنها بصعود المصعد من أجل التقاطها. لم تمض ثوانٍ حتى شعرت بأحدهم يضرب رأسها بقسوة بمضرب ما. ومن ثم فقدت الوعي.

"إنها ساحرة، علينا أن نقتلها."

"بل علينا أن نأكلها، أنا أشعر بالجوع يمزق أمعائي."

"ربما تكون فتاة تعيسة الحظ قد تم الإيقاع بها مثلنا."

"علينا أن نضحي بها كي ترضي عنا الدمى ولا تأكلنا."

شعرت بالدماء اللزجة الدافئة تنساب على عينيها، فحاولت الحراك بذعر لتشعر بحبال قاسية خشنة ملتفة حول جسدها كالأفعى، متسببة بتمزيق معصميها وكاحليها، مقيدة حركتها لتأن ألمًا. شعرت بالعرق البارد يزين جبهتها وهي تفتح عينيها الرماديتين بخوف وبطء شديد، لترتعش خوفًا لما رأته تحت ومضات الضوء المرتعشة، حيث يحيط بها العديد من الفتيات اللاتي يرتدين ملابس ممزقة ملطخة بالدماء الجافة. هناك من فقدت معصم يدها، من فقدت قدمها بالكامل، من فقدت أذنها، من فقدت إحدى عينيها، العديد والعديد من المشوهات، وجميعهن يمتلكن أعين ميتة لا تنبض بالحياة، أعين تشير لما رأين من الأهوال في هذا الجحيم.

"ماذا يحدث؟!" لم تكد تكملها حتى قامت إحداهن بركل وجهها بقسوة لتشعر بالدم ينسال من أنفها.

"أأنتِ إحدى ألعابهم يا قذرة، فقط أخبرينا بالحقيقة." ارتفع صوت نحيبها، وكادت تفرغ ما في أحشائها حين رأت وجه الفاعلة المشوه بشدة وقد فقدت نصف جلد وجهها.

ارتفع صوت الرنين المشابه لرنين الغارات في الحروب، وتصاعد ضوء أحمر من مصباح ما لم تستطع تبينه. ارتعشت الفتيات في رعب.

"الدمى الملعونة قادمة!" قالتها إحدىهن وهي تلتف حول نفسها بجنون، لا تدري أين المفر.

"فقط اخرسي بحق الجحيم، علينا الصمت وعدم الحراك."

لم تمضِ ثوانٍ حتى وقفن كما لو كن تماثيل صماء عمياء، لتراقبهن بعدم فهم.

"ماذا يحدث؟ إنهن لا يرمشن حتى؟ أي جحيم هو هذا؟" قالتها ببكاء حاولت كتمه بصعوبة.

تحت ومضات الضوء الأحمر المرتعشة، استطاعت رؤيتهم، العديد من الدمى مختلفة الأشكال والأحجام آتية من باب المصعد، دمى سوداء، مشوهة، تمتلك أنيابًا حادة، وشفاهًا مصبوغة بالسواد، وأطرافًا مشوهة. يتحركون بخطوات بطيئة كما لو كانوا يستمتعون بتأمل وجوه الفتيات الخائفة، بعضهم امتلك أطرافًا طويلة للغاية، والبعض قصير للغاية كدمى الأطفال الوديعة، والبعض مماثل لطول الفتيات، وهذا أكثرهم رعبًا حيث حدقوا بوجوه الفتيات واقتربوا حتى كادوا يختلسون أنفاسهن.

رمشت إحداهن سريعًا، ولم تمضِ ثوانٍ حتى ارتفع صوت صراخها لقيام إحدى الدمى بتمزيق وجهها. هكذا هي قوانين اللعبة: لا ترمشي، لا تتحركي، لا تتكلمي، حتى نمر خلال هذا الطابق، وإن فعلت العكس ستفقدين إحدى أطرافك أو ربما حياتك! ولتعاسة حظها، كان جسدها مواجهًا لباب المصعد، فاستطاعت رؤيتهم دون عناء.

خلال ومضات الضوء الأحمر، استطاعت رؤيته يقف عند باب المصعد يراقب في صمت، رجل طويل القامة، متشح بالسواد، وسيم وسامة الشيطان كذلك. تحتضن أصابعه خواتم ماسية باردة، والاستمتاع ينتشر على وجهه كما لو أنه يشاهد فيلمًا ما. التقت أعينهما لتتسع عيناها اندهاشًا، فاقترب بخطوات بطيئة منها، مال بجذعه ينظر لعينيها بعمق.

"أتستطيعين رؤيتي؟!" قالها بنبرة بدت لها دافئة رخيمة.

هزت رأسها بخفة، وقالت "أجل"، ولم تمضِ ثوانٍ حتى ارتفع صراخها لقيام إحدى الدمى بتمزيق حلقها.

___________________

تعالى صوت صراخها، واهتز جسدها بعنف. فتحت أعينها الرمادية لتقابلها الزخارف الذهبية التي تزين سقف غرفتها الصغيرة. أغطيه سريرها الحريرية داعبت قدميها برفق، ليرتفع جذعها سريعًا وهي تحاول التنفس ببطء وعمق، تفكر: أكان هذا مجرد حلم؟!

"الحمد لله" قالتها بنبرة مرتعشة.

ارتفع صوت الهاتف فجأة لتنتفض فزعًا وتلتقطه، وجدت أن الرقم غير مسجل. ألقت نظرة على الساعة المعلقة أعلى الحائط بجوار سريرها لتجدها تقترب على الثامنة صباحًا.

"يا له من حلم طويل" قالتها متنهدة، ومن ثم أجابت المتصل.

"من معي؟!" قالتها بنبرة حاولت جعلها ثابتة قدر الإمكان.

"مرحبا آنسة ليسا، أدعى ليث من شركة * * قد أرسلتِ سيرتك الذاتية من أجل الحصول على فرصة عمل لدينا. قد تحدد ميعاد المقابلة ظهر هذا اليوم، أيناسبكِ هذا أنستي؟" قالها بتهذيب.

"نعم، نعم، بالطبع سيدي" قالتها بلهفة كونها تحاول جاهدة الحصول على هذا العمل.

"حسن جدًا، سأرسل لكِ العنوان على بريدك الإلكتروني، وداعًا." ولم تمضِ ثوانٍ حتى سمعت صوت الرنين المميز ينذر بإنهاء المكالمة.

______________________

نظرت إلى عقارب ساعة يدها الصغيرة مبتسمة بتفاؤل. قد وصلت قبل ميعادها المحدد بنصف ساعة. دخلت البناية العريقة بحماس لتلتقط المصعد للطابق المنشود. شردت نظراتها وهي تراقب تتابع أرقام الطوابق، وأفاقت على صوت الرنين ينذرها بالوصول، لتنظر إلى الرقم ١٣ المضيء بلونه الأحمر.

"ما هذا؟ ليس هذا هو الطابق الصحيح!" ضغطت على زر المصعد مرارًا دون أن تجد استجابة، لتنفخ بحنق. لا بد أن المصعد معطل إذًا.

"علي أن أصعد السلالم كي لا أتأخر على موعدي. من حسن الحظ أنني وصلت مبكرة."

اتخذت خطواتها بحماس خارجًا، ولم تمضِ ثوانٍ حتى تثاقلت قدماها لما رأته. كان طابقًا مخيفًا يضيء بومضات ضوء أبيض باهت يأتي من مصباح ما لا تستطيع تبينه. إن نظرت هنا أو هناك لاستطاعت رؤية الجدران ذات اللون الرمادي المتساقط. على جانبي الحائط، انتشر العديد من الأبواب السوداء الملطخة بلون أحمر باهت، لون بدا لها تحت الومضات المخيفة كما لو أنه دم أحدهم.

اتسعت عيناها ذعرًا "ما اللعنة!" وتراجعت خطواتها بسرعة، محاولة الهرب من هذا الجحيم. ولم تمضِ ثوانٍ حتى شعرت بأحدهم يضرب رأسها بعنف

رمشت بتثاقل وهي تلمس رأسها بخفة. شعرت بالصداع يحطم رأسها، لكنها حاولت الاعتدال جالسة. سمعت صوت ضحكات وحشية تتعالى، ففتحت عينيها لتراه، الرجل المتشح بالسواد من حلمها.

"مرحبا، مرحبا، دميتي ذات الأعين الجميلة"، قالها واضعًا يده على صدره، يحني رأسه بحركة مسرحية ساخرة.

"من أنت؟" قالتها بخوف.

اقترب منها بملامح منتشية، فتراجعت للخلف محتضنة ساقيها حتى كادت تعتصر جسدها داخل الجدار البارد. انخفض بجسده مستندًا بذراعيه على ركبته، مقتربًا من جسدها الخائف.

"أنا؟ أنا شيطان يدعى ريفر، أتغذى على الصرخات المعذبة. تروقني الأعين الخائفة، أتجول بين كوابيس البشر، لأطرب برنين صرخاتهم، وأتمتع بأجسادهم المتشنجة ألمًا".

"أنا... أنا لا أفهم شيئًا، ألا زلت أحلم؟!" قالتها بلهفة.

"أنت في عالمي"، قالها باستمتاع.

"كيف؟"

"كما أخبرتك، أنا شيطان، كائن أزلي، أعيش منذ ملايين السنين، كائن يتغذى على الخوف، المعاناة، والصرخات. لكنني قد مللت، ولتعاسة حظك يا دميتي، أنت تمتلكين عينين جميلتين مميزتين. عينان أثارتا غرائزي، عينان تستطيعان رؤيتي من دون أن ألجأ للتجسد. لذا ما إن استيقظتِ من حلمك حتى لاحقتك، وما إن اقتربتِ من مدخل البناية حتى قمت بسحرك لتفقدي الوعي وتدخلي عالمي. بمعنى آخر، أنت حبيسة هذا"، أنهى كلماته وهو يطرق بأصابعه جانب رأسها بخفة.

تسللت أصابعه داخل خصلاتها يداعب خدها لترتجف لشعورها ببرودة خواتمه الماسية.

"دعني أرحل"، قالتها بنحيب.

"لسوء حظك، إنكِ تمتلكين عينين ملائكيتين تسببتا بإثارة الشيطان".

انسابت دموعها الدافئة على خدها ملامسة أصابعه الباردة، ليهتز جسده طربًا. تعالت صوت ضحكاته التي بدت لأذنيها كصوت الموت ذاته.

"يا إلهي، يا إلهي، كم أنا متشوق لرؤية المعاناة بعينيكِ! لا تقلقي، دميتي، لن أسمح لأي من صغاري أن يقتلع عينيكِ الغاليتين، لكن لا أستطيع أن أعدك بأكثر من هذا"، قالها بنبرة دافئة، ناعمة كنعومة الأفاعي، لامست أصابعه شفتيها المصبوغة بالسواد بسبب هروب الدم من جسدها لشدة خوفها.

ارتفع صوت الرنين المشابه لرنين الغارات في الحروب، تصاعد ضوء أحمر من مصباح ما لم تستطع تبينه.

فتح باب المصعد، وتحت ومضات الضوء الأحمر المرتعشة، استطاعت رؤيتهم، العديد من الدمى مختلفة الأشكال والأحجام آتية من باب المصعد.

"لا تقلقي، سوف أهتم بجسدك المادي جيدًا كي لا يتداعى. فمهما كان، أنت دميتي الغالية التي لن أَمَلَّ منها أبدًا، دميتي التي ستمتعني برنين صرخاتها حتى يحين وقت فناء جسدها. تعرفين قوانين اللعبة بالفعل، والآن كما يقول البشر، دميتي، لتبدأ الألعاب"، قالها بحركة مسرحية فارداً ذراعيه، رافعًا رأسه باستمتاع لما هو قادم.

لم تمض ثوانٍ حتى تعالى صوت صراخها، شعرت بحلقها يكاد يتمزق من شدة الصراخ. حرك أصابعه بخفة لتصدح موسيقى من العدم، اهتز جسده طربًا مستمتعًا بصراخها المرافق للنغمات.

__________

في ذلك الحين، تجمع العديد من السائرين حول جسد ليسا فاقدة الوعي. البعض يحاول الاتصال بالإسعاف، وهناك من فتح حقيبتها يبحث عن بطاقتها الشخصية. لم يكد يلمسها حتى قام أحدهم بالتقاطها بعيدًا عن أصابعه. رفع عينيه مندهشتين ليرتجف ذعرًا حين رآه.

رجل وسيم الملامح، ذو عينين ميتتين، متشح بالسواد، وبوجه خائف مذعور، قال للجميع:

"أنا زوجها. زوجتي اتصلت بي حين شعرت بالدوار، إنها مريضة قد أهملت أخذ علاجها صباح اليوم. شكرًا لكم جميعًا، سأخذها للمشفى سريعًا".

حمل جسدها برفق، راقب ابتعادهم بملامح خائفة مزيفة، ابتسم بخبث مبتعدًا بها، ولم تمض ثوانٍ حتى اختفيا عن الجميع، هاربًا بها إلى عالمه المظلم