لم أتخيل يوماً حتى في أشد هواجسي سوءًا بأن الحياة تملك هذا القدر من القسوة ، و بأنه في لحظة ما يتغير كُل شيء ، يتوقف الزمن فلا أنت تستطيع العودة للوراء و لا أنت قادر على التقدم !.. 

كانت سنة بشعة نعم ، أبشع ما يمكن لأي أحد أن يُقاسي ، هذه السنة شوهتني و تركت في روحي نُدوباً سيظل أثرها واضحاً على ملامحي ما تبقى لي من عمر .. 

صاعقة نزلت ، بل زلزال حطم و هشم و هز و دمر كيان عائلة بأكملها ، تقف مكتوف اليدين لا تملك من الأمر شيء بين صدمة و ذهول خوف و قلق و ترقُب يالله كم أتمنى أن أنسى تلك الأيام المتعبة و لكن كيف و هاهو أثرها يمتد حتى هذه اللحظة !!

أنا لا أريد أن أكتب تفاصيل ما حدث لأنني لا أملك القوة  و لا الجرأة على اعادتها حتى في عقلي ، ربما كلماتي لا تكون منمقة و مرتبة هُنا و لكنني بحاجة للبوح للكتابة من ناحيتي ، أكتبه ليخرج من داخلي و أتخلص من بعض ثقله على قلبي ، في سنواتي السابقة التي مضت كنت معتادة على أن أكون طرفاً محمياً لي ظهراً أستند إليه دائماً لا مسؤوليات تُوكل لي رٌغم أنني الأخت الكبرى و لكننا أعتدنا الدلال في ذلك البيت ، حياتنا كانت مثالية جداً في عيني جميلة و أُحبها رٌغم بساطتها مليئة بالأغنيات و الضحكات و الفرح يكفي أن نجتمع ليبدأ ما يشبه الاحتفال صخب لذيذ و حركة لا تنتهي ، أتذكر جملة يقولها أبي إذا ما كُنا مجتمعين نحن الأخوات تحديداً : ( ياسلام في بيتنا ملائكة ) ..

كُل ذلك تغير في نصف يوم اثناعشر ساعة فقط  قلبت تلك الحياة الوردية لجحيمٍ أسود بدون أي مقدمات مفاجأة مدوية صادمة تلك التي تلقيتها وحدي أنا وحدي كُنت في المواجهة تجمدت في مكاني واقفة كنت قبل عدة دقائق أضحك معها محاولة لتخفيف آلامها و كنت أُكرر قول : مُجرد ألم عابر و سيزول .. ولو عرفت بأنها بعد ساعات قليلة ستنام و لا نعلم الى اي يوم أو متى ستنتهي تلك الغيبوبة لطوقتها بذراعي لتشعر بالأمان وقتها و لقلت لها ألف مرة كم أحبها و كم أحتاجها و لا أتخيل حياتي بدونها و بأنني سأظل أتحدث لها طويلاً طويلاً الى أن تفوق من غفوتها و لكنتُ أوصيتها بأن تتبع صوتي كلما ظلت طريق العودة ، و أنها حتى لو لم تعرفني يوماً فأنا سأظل أُذكرها بي لم أعرف كيف أتصرف و ماذا أقول فالكلمات التي نطقها الطبيب ليست عادية أبداً و كانت أكبر من استيعابي توقف عقلي عن التفكير أصابه شلل لا أفهم !! وقتها أحتاج لأحد أن يكون بجانبي اتصلت بأختي الثانيه تعالي لا أستطيع مواجهة الأمر وحدي ، ماذا أقول لأمي !! نعم أحتجت ظهراً أستند إليه وقتها ، حضرت و معها خالتي تلك التي كم أتمنى أن أملك و لو نصف قوتها يوماً .. 

أحداث كثيرة مرت كنت مُجبرة فيها على تمثيل دور القوة أمام الجميع و كم كان ذلك الدور شاقاً لا يشبهني !.  

تعبتُ كثيراً لِم علي أن أكون الطرف القوي و أنا بحد ذاتي لا أستطيع التحمل ، أنا لستُ قوية و لا أستطيع أن أكون ، أنا هشة نعم ، حاولت و حاولت أن أخفف بقدر ما أستطيع أن أزرع الأمل و التفاؤل و بداخلي شكٌ عظيم ، دموع و صرخات كتمتها أمام الجميع حتى خرجت على شكل كدمات لونت جسدي كله ،  كانت الأحداث و الصدمات تتوالى بشكل غريب و مُفجع لدرجة أنني كنت أردد ان هذا ليس بفعل الرب !! أهتز يقيني و تسرب اليأس داخلي انطفأت ، تغيرت ، كبرت  وجدتُ نفسي أمام تحديات و مسؤوليات كثيرة و كبيرة ، الحمل ثقيل يالله و أنا ما عدت أقوى ، العائلة تحتاجني كل فرد فيهم يحتاجني بشكل أو بآخر و أعظم ما كان هو أن أكون حلقة الوصل بينهم و بين الأطباء أن أكون أنا من يتلقى الصفعات من أفواههم و علي أن أخفف من حدة القول و أن أكذب قليلاً لإيصال المعلومة بشكل أقل بشاعة من الواقع و هذا الدور أهلكني أتذكر في كل مره أواجه فيها موقفاً كهذا كيف أن رجلي لا تحملني و بأن قلبي يكاد يخرج من مكانه عيناي يغشاها سواد فلا أرى ، العمل يحتاج أيضاً  أُعطي من كُل قلبي على قدر ما أستطيع و كان ذلك للبعض لا يكفي  !! ولو علموا مدى تشتتي و انكساري لعذروني ..  

حدثتُ ربي كثيراً و عاتبته لِم كل هذا و ماهي الحكمة ؟! هذا الدرس قاسي جداً و أنا ما عهدتك هكذا !! لم هي؟ و لماذا هذا الوقت تحديداً و أنت وحدك تعلم بحجم معاناتها طوال أشهر حملها؟! لقد طال هذا الاختبار طال حد اليأس توقفت الحياة اعتدنا الحزن و الانتظار دون حيله .. الله وحدة يعلم ، أحتاج جبال من القوة و الصبر أحتاج وعداً منك بأن تعود و تعود حياتنا الجميلة معاً ، وحدك تعلم و أنت فقط من يستطيع بكلمة واحدة منك أن تغير هذا القدر و لا تلمني على جزعي و اعتراضي فأنا بالنهاية إنسان .. 

ضُعفي يتعرى تماماً و يظهر كما هو بجميع أشكاله و ألوانه من صراخ و بكاء و اعتراض و عدم رضا أمامه فقط من كان يعرف كيف يحتويني و يُبدد خوفي ذلك القلب الحنون رجُلي المُفضل و صديقي القريب أرمي بثقل مافي قلبي له أُحس بالراحة و الطمأنينة نعم كنت أحتاج شخصاً داعماً يدفعني للأمام عندما لا أستطيع الوقوف حُضناً يلملم روحي المُتعبة و يداويها كتفاً يتحمل ثقل رأسي و أفكاري المشوشة و كم أنا محظوظة به ..

 مهما حاولت هُنا فإني لا أستطيع أن أصف مدى الخراب الذي حل بداخلي شعور العجز مؤلم بشكل كبير و الكلمات لا تُسعفني ، مرت أيام ثقيلة كئيبة لا جديد فيها سوى سعادات صغيرة ناقصة و مسروقة لا شيء غير البكاء أعترف بضعفي و هشاشتي و لا أريد لنفسي أن تتغير فأنا خُلقت هكذا و سأظل هكذا رهيفة المشاعر و دموعي هي لغتي الصادقة دائماً .. 

كان لابد لي أن أصنع عالماً أهرب إليه من كل ذلك الظلام المحيط بي كنت ألوذ بالكتب في بعض الأحيان أغوص فيها و أحلم بها أتخيلها و أعيش أحداثها .. 

قدرة العقل عجيبة جداً في خلق بعض الأمور ، و لأنني شخصية ذات خيال واسع و عميق أستطعت أن أكون عالمي الخاص بوابتي السحرية التي تحملني بعيداً لدنيا الأحلام  أسافر بالخيال لعالم واسع و غريب كُل ما علي هو أن أستعد للنوم لتبدأ الرحلة أرى الحوريات تسبح في سماء بنفسجية اللون تتلألأ نجومها بألوان متعددة ، كواكب و مجرات ، ملائكة ، عفاريت و أشباح ..  كانت مُتعتي الوحيدة وقتها أُصبر نفسي طوال اليوم لأجل تلك اللحظة الحالمة يكفي أن أُغمض عيني فقط لأكون بعيداً خارج الزمن و المكان و الاشخاص تعرفت على كائنات لا تشبهُنا و لا تتكلم بنفس لغتنا كنت البشري الوحيد هُناك ، صادفتُ شبحاً سحري جميل بشكل مُلفت أراه كُل ليلة في زاوية زرقاء اللون يحكي قصص مُمتعه أقتربتُ منه شيئاً فشيئاً رُغم ترددي المتكرر و لأني لستُ أنوي الا الاستمتاع بما يحكي من بعيد دون قصد الاقتراب منه .. حاولت أن أقاوم سحره و أمنع نفسي من التمادي نحوه و لكن فضولي الكبير و رغبتي بالهروب كانت أكبر من أن أسيطر عليها ، و بعد مُدة قصيرة أصبحنا قريبين من بعضنا البعض عرفني كما لم يعرفني أحدٌ من قبل كنت معه ( أنا ) بحقيقتي بجنوني و طيشي بعفويتي و غروري أنانيتي و حبي الكبير لنفسي كنت أنا دون تزييف أو خوف يشبهني كثيراً رغم الاختلاف به شيئاً من روحي و كأنني أعرفه سابقاً ، سُحرت به و أصبح هو جنتي و عالمي الذي يخصني وحدي أودعت عنده لحظات كثيرة من الجنون و النشوة و البهجة و المرح أحببته كثيراً بل أعشقه جداً معه تعلمت الضحك من جديد ادخلته في تفاصيل حياتي المبهجة فقط و أخفيت ذلك الجانب الأسود منه كنت أريد أن أصنع له ذكريات جميلة لا يشوبها حزن ، خبئتُ عنه هويتي كي لا أخسره فليس من الممكن عقد صداقات بين البشر و الأشباح ! تمنيت في بعض الأحيان أن أكون شبحاً لأستولي عليه كُله حتى لا يراه سواي ليكون مُلكي و لي لي أنا وحدي تمنيت لو عرفته في أيامي السعيدة لكنت أجمل بكثير و لكننا بالنهاية مُختلفان لا نتطابق … ذلك الروح الذي أُحب قرر الرحيل بعدما تبين له من أنا و من أكون و كيف أن عوالمنا بعيدة و من المستحيل أن نبقى ، أريده .. رغم كُل الظروف و العقبات كنت أُريده كما هو تمسكت به و بينت له رغبتي بالبقاء كثيراً أحبك و أُريدك ، و لكنه ابى ، حتى الأشباح تتخلى و تجرح !!

لم أحلم تلك الليلة من فرط حزني حتى لا أصادفه في أحلامي أمسكت بدموعي حتى لا تفيض لأنها كانت أغلى من أن تُهدر على كائنٍ لا يشعُر !! أخذ يكرر أمامي كوني قوية ، يالهذه الكلمة التي تطاردني مثل اللعنة !

أحببتك و أنت تعرف بحجم محبتي لك و لكني قلت لك يوماً أحب نفسي أكثر و لست أندم على ما حصل ولو أعطيتني فرصة لتماديت في غي الجنون حتى أشبع و لكن أتعرف ما يحزنني حقاً هو أن شبحي الأحب لقلبي و روحي هو نفسه الوحيد الذي أذاقني مرارة الرفض ،، هل تعرف ما معنى أن تُرفض لدينا نحن البشر و ما يخلفه ذلك الشعور من خراب !!

لم تكن على مقاسي و كان حُبي لك أكبر بكثير من أن يستوعبه شبحٌ مثلك ربماً لا تعرف معنى للمشاعر ربما لا تملك قلباً لتُحب أو ببساطة لم تمتلك الشجاعة للاقتراب ، شبحي الشرير كما أحب أن أسميك في كل نوبة اشتياق أذكر نفسي باللحظة الأخيرة هذا ما تبقى لي منك تلك اللحظة الأخيرة فقط هي ما يمنعني عنك .. اطمئن ،، أنا الآن لا أراك …..