هنا مقبرة الورود البريئة .. !!
طفل بعمر الزهور ، يقود دراجته الهوائية ، إلى السوق القريب من الحي السكني ، الذي يقطن فيه . يجتال السوق ، والبسمة البريئة _ رغم الوضع المأساوي _ ترتسم على مُحياه . السوق مكتظ بالناس ، وعلى الرصيف ، بائع ورد ، لا يلتفت إليه المارة ، عدا ذلك الطفل ، يذهب نحوه من أجل شراء باقة ورد _ في بعض الأيام _ وبينما هو يقود دراجته ، تقابله طلقـ،ـة نـ،ـارية ، لتطفئ ابتسامته ، وتلقي بحتـ،ـفه ، في منتصف الطريق .
وكالة الأنباء : طلقـ،ـة أرسلها مجهول ، لديه علاقة وطيدة مع مسؤول ، تردي أحد الأبرياء قتـ،ـيلًا . لم نعد نعرف ملامحه البريئة ، كانت الورود متناثرة على جزء من جبينه ، والدماء تغشى الجزء الآخر . " هو طائر الجنة ، هو شهيد " وقد يسمي البعض ذاك المجهول " بطل صنديد " عجبًا . ظل الطفل مرميًا في منتصف الطريق ، وفي تلك الأثناء ، كان ثمة مجنون ، طعامه فتات قديم ، ولحافه " كرتون " انتشـ،ـل جثـ،ـة الطفل إلى الرصيف ، تحت شجرة يابسة ( بخيلة حتى في ظلها ) !!
ثلة من الساسة ، بهم هوس السياسة ، متآلفين مع بعضهم ، ولكنهم يسخطون _ أحيانًا _ عند فض اجتماعهم . يمزقون الأوراق ، ويكسرون الأقلام . يعلنون الفراق ، ويضعون الأبرياء في دائرة الإتهام . هنا " صنم مقدس " يجب أن نقف أمامه برجل واحدة ، ونبجله ، ونلقي له التحية ؛ وإن أمكن نرمي وسامه _ الذي ترقى به زورًا _ بالورود . أما هناك " يد علياء " تملك " هليكوبتر " التقبيل يليق بها ، أو حتى السجود !!
تحولت الورود إلى شظـ،ـايا ، تزرع في الطريق المؤدي إلى المدرسة ، أو حتى إلى المشفى ، والمشفى البسيط ، يفتقر إلى أبسط الخدمات ؛ قطعة صغيرة ، مصنوعة من القطن ، ليست كفيلة لتضميد الجراح العميقة ، والكبيرة بأثمان باهظة ؛ وإن كان ثمة من يدثر بالحرير ، إن اجتال منزله الراقي زمهرير . أظن أن أرخص قطعة " قطعة ملونة بألوان ثلاثة ، يضعها البعض تحت أقدامهم ، نكاية بالأطفال الذين يرسمونها على خدودهم " .
نحن جزء ننتمي إلى قطعة أرض ، ليس إلا . وقد نكون جزء من مشكلة . لا ينكر أحدنا إن لم يكن ثمة قانون رادع ، كان يجب علينا أن نلتزم بالطابور ، لا نحيد عنه . كان يجب علينا ألا ندع سلة المهملات فارغة _ إذ وجدت _ لنجعل حولها ممتلئ . وكان يجب عليهم هم ، ألا يقبلوا رشوة ، من أجل أن يخرجوا وظيفة أحدهم عنوة . وينبذوا التمايز الطبقي ، حتى لا يكون البعض ، يحاز دون الآخر .
تم نقل جثـ،ـة الطفل _ بعد خروجها من المشفى _ عبر " سيارة إسعاف " وسائقها متهور للغاية ، حيث يقودها بسرعة تتجاوز المعايير المحددة ، في شارع مكتظ بالبائعين ؛ لقد نجا صاحب " البسطة " الصغيرة _ الموضوعة في مكان غير مسموح به _ بإعجوبة . ليهرول _ فور نجاته _ نحو صيدلية مكتوب على أحد أبوابها " علاج الاكتئاب " كانت الصيدلية مزدحمة ، ربما الشعب كله هنا ؛ عدا أولئك المصابين بالتخمة ، لا يكلفون أنفسهم ، للنزول إلى الصيدليات ، من أجل تناول " الأوكاربون " !
هنا مقبرة الأحلام ، بالجثث مُعمرة . مدينة يداهمها الظلام ، في الليالي المقمرة _ حتى ضوء القمر ، أصبح حكرًا على البعض _ قال قائل منهم : هذا قدرنا مكتوب علينا الشقاء . هذا صحيح ؛ الحياة بطبيعتها هكذا " الاختلاف ، وجود الخير ، والشر . الحق ، والباطل " ولكن لا يعني أن نتخلى عن الحق ، ونركض لاهثين خلف الباطل . الحق أحق أن يتبع ، والباطل يليق به الزجر والردع . الأجدر بنا ألا نبيع أيدينا من أجل التصفيق ، ولتكن أيدينا ، أداة لِلمّ الشمل ، لا التفريق ؛ تزرع الخير ، ورودًا للغير .
حمزة طه