مجرد تقلبات مزاجية .. لا أعلم ما يجري و ما يدور في خاطري ،ربما مجرد ساعات و سيتغير مزاجي و أعود الي ما انا اليه .. إنسانة تافهة لا تعلم ما يجري حولها و لا تدري الي أين تذهب او ما الذي سيتغير .. كل الطرق التي تسلكها خاطئة .. تشعر أن مكانها الحقيقي في الحياة هو الغرفة و السرير و الوسادة .. فقط .

لا يمكن ان تتخطى هذه الحيطان .. او ان تحلم بشيء أبعد مما قد تصل اليه عيناها في الوقت الحالي ..

تضع رأسها على الوسادة ، تتأمل في الجدار المتقشر مطولًّا لعلّه يخجل من وضعه و يستتر بشيء من بيوت العناكب او تلك التشققات التي سببتها قطرات المطر الضعيفة ، خيبت أملها المطر التي لطالما كانت تأتي بالفرح و التي تمسح الحزن عن وجهها في كل مرة تحضر .. لكن ذاك اليوم تلبدت السماء بالسحب الغاضبة ، تعاكست طويلا فيما بينها و ثم بكت السماء لتنقل ذلك الخبر السيء .. توفي زوجها ؛ هو جندي في البحرية كانت تنتظر عودته منذ مدة لانها على وشك الولادة .. لم تكن هناك أي إضطرابات او حروب.. لم تتوقع و لم تضع بالحسبان ان يحدث له شيء .. فالأخبار كانت جيدة لذلك اليوم .. و الأخبار لم تحمل معها أي سبب مقنع يجعلها تتأمل في ان تكمل حياتها او ان تكون بخير .. لم يرد أي خبر طبي او خبر واضح وراء مقتله .. جل ما حصل ، ان الامطار لم تكن كعادتها ، لم تبتسم لها شفاه السماء ، لم ترسل لها القبل ، لم تكن بطعم حلو بل انهمرت فجأة دون أي إنذار .. أسرعت أم زوجها بإدخالها للمنزل و هي تصرخ : ماذا حل بك ؟ انك حامل و يجب ان تخافِ على جنينك .. سأخبر إبني بهذا عند عودته -- " ... لم تشأ ان تكون نذير شؤم فسكتت .

دخلت غرفتها و تجففت و قامت بتغيير ملابسها ثم وضعت برأسها على الوسادة و إستمرت في النظر الي تلك الخزانة المليئة بملابس زوجها و تتأمل و تتمنى لو كان الخبر الذي نقلته لها المطر خاطئ وانها تمزح فقط …

من الغد ، في حديقة المنزل تُدلي بظفيرتها من فوق الأرجوحة كالفتاة الصغيرة و تملئ عيناها براءة الأطفال تشعر بوخز في أسفل بطنها ، إذ أن ميعاد ولادتها حان فصرخت بكل قوتها "خالة سُعاد ! " سرعان ما جمعت المرأة نساء القرية و أحضرت إحداهُنَّ ذات الخبرة في هاته الأمور و رغم شدة الألم و خطورة الوضع الذي أتاها المخاض فيه إلا أن طفلها كان في صحة جيدة ،

هذا الصغير أبهج قلبها و منحها الإحساس الذي خسرته جراء غياب زوجها .

مرت الأيام و الأشهر و أتاها الخبر الذي لم تكن تتوقعه ، زوجها سيعود بعد هذا الغياب ، ملأت الغبطة ثغريها ، لم تعلم ما ينتظرها ، و ككل النساء حاولت ان تكون في أبهى طلّةٍ لأجله فمن المؤكد أنه مشتاق لها كثيرًا كحالها تمامًا ،

في عشية السبت لاح من بعيد شخصين بدى و كأن أحدهم إمرأة ، لم تعي ما تراه عيناها و ظلّت تترقب وصوله إلا أنها لمحت تشابك يديهما قبل أن ترى وجهه و ملامحه ،

"_سامحيني يا سارة ، لم أكُن أعلم أنك حامل و أننا سنرزق بطفل و سنكوّن عائلة .. ، و هو يفسر فعله المُشين ، حياتنا كانت تشبه الجحيم لم تكن حالتنا جيدة إطلاقا لطالما علت أصواتنا و ملأت المشاكل جميع تشققات البيت

_ الجيد في الأمر هو إعترافك بكون هذا البيت مجرد تصدعات و تشققات لأحلام حبٍّ عاش بيننا طويلا قبل الزواج ،الجيد هو إعترافك بقبولي لهذا الوضع و التخلي عن أجمل أيام العمر في إنتظار جندي بحرية قد يعود و قد لا يعود ، و لكن كنت دائما أنتظر عند شرفة البيت ،

_لكن ،….

_ لا تكمل ، فقط ، خُذ أغراضك و إرحل او سأرحل ، لك حرية الإختيار

في تلك اللحظة بدأت "حفلة الشواء" في قلبها كمن صبَّ حمما بركانية صبًّا على تلك العضلة الضعيفة ،

لكنّها لم تستسلم و إنتقمت به بقتل إبنه ، ظنًّا منها أن هذا ال"شيء " الذي من صلب ذلك الرجل لن يكون وفيًّا مثله ،

إذ بصوت يأتي من بعيد يوقظها من وهمها :

_ سيدتي ! سيدتي ! إنهضي حان وقت دواءك ..

إنها مجرد سيدة تُعَاني من حالة نفسية تُسَمى بال"وهم " ..تحت مفهوم بناء أحداث لا تمت للواقع بصلة ..

أرجو من حضرتكم ان تقيموا ما كتبت بكل صراحة و شكرا