شمسُ مُشرِقةٌ وهواءٌ عليلٌ يتخللُ في داخلي، وهدوءٍ جميل، أجلسُ على ضِفافِ النهرِ وأكتبُ لكَ هذهِ الكلِمات قبلَ ولادتِكَ بألفي عام وربما أكثر، لا أدري إن كُنتَ سوفَ تقرأ هذهِ الرسالةَ أم لا، لكنني أكتبُ رَغْم ذلك، لا أعلمُ ما هو شَكْلك وطبعُكَ ولا أعلمُ بماذا سوفَ يناديكَ المخلوقاتُ جميعاً.

لا بُدّ أنكَ تتسألُ عمن يُخاطِبُكَ بهذهِ السطورِ ويكتبُ لكَ هذهِ الكلِمات، سوف أُعَرِّفك عن نفسي ولكن لا تخف لأنكَ عندما تأتي لهذهِ الحياة ستتعلمُ أني لستُ سوى شرٍّ يحومُ حولكَ، ولكنكَ سوفَ تنسى أن كُلّ شيءٍ في هذهِ الحياةِ خُلِقَ لتوازُنٍ أرادهُ الله، عندما يكونُ هناكَ شرٌّ لا بُدّ أن يوجدَ الخير وعكسُ ذلكَ صحيح.

يبدو أنكَ بدأتَ التساؤلَ عني أكثر، أَعْذَرَنِي أرجوك فقد أطلتُ عليكَ بالحديثِ ولم أُقدِمَ نفسي لكَ أنا أدعى الجن وأنحدرُ من سُلالةِ اَلْجِنّ سوميرا جِدّ جدي وأبو الجن أجمع الذي خُلِقَ قبلكَ بكثير، هل أصابتكَ الدهشةُ؟ هل دَبَّ في جوفِكَ رُعبٌ لأنكَ عرفتَ مع من تتحدثُ الآن؟ حسناً أنا لا ألومُكَ أبداً فأنا مِثلُكَ لقد أصابتني الدهشةُ وَدَبَّ في جوفي اَلرُّعْب حينما عرفتُ أنكَ قادِمٌ لهذهِ الدنيا، دعني أبدأُ معكَ من البدايةِ الأولى.

لقد شاءَ الله لبني جنسي أن يكونوا خُلَفَاء في الأرضِ فقد خلقَ الله أبو اَلْجِنّ سونيا الذي كانَ عبدُ ربهِ الصالح الذي تمنى أن يرى ولا يُرى وأن يعيشَ في الثرى  ويصبِحَ كهلة شاباً، لقد كنا قوماً نعيشُ في سلامٍ بيننا وبينَ أنفُسِنا ولم ننوي اَلشَّرّ يوماً، هكذا علمنا والِدُنا سوميرا، حتى ذلكَ اليومِ المشؤومِ الذي ظهرَ بهِ قومٌ قد سفكوا الدماءَ بينَ بعضِهم وعمموا الفسادَ والخرابَ والفِتنَ في الأرضِ حتى أمرَ الله الملائكةَ بخوضِ الحرب ضد الجن لما فعلوهُ فتشردَ اَلْجِنّ وقُتِلَ من قُتِل.

هربت أنا ومن معي إلى أعالي الجبالِ وبدأنا التأقلُمَ بالوضعِ الجديد، وكان هناكَ نفرٌ منا يستطيعُ الطيران فعندما كانو يسترِقونَ السمعَ من السماءِ ويعودا للأرضِ يلحقُ بِهِم شهابٌ ليحرِق أجسادهم وبعد عددٍ من المراتِ في استراق السمعِ علمنا بخلقكَ وأنكَ سوفَ تكونُ الخليفةَ في هذهِ الأرض.

لا أُخفيكَ سِراً لقد عَمَّ في داخلي الحِقدُ عندما علِمتُ بحضوركَ فأنا وبني جنسي سوف نكونُ في مكانٍ لا ترانا بهِ ولن نحكُمَ في هذهِ الأرضِ إلا نسبةً ضئيلةً، ثم قد خُلِقت أنت وعرفتُ أن أسمكَ هو الإنسان الذي فضلكَ الله على جميعِ مخلوقاتهِ، وكنتَ تمتازُ بحريةِ الاختيار بعدما قررت من ذاتِ نفسكَ أن تأكلَ من الشجرةِ التي نهى الله عنها وأخبركَ ألا تقتربَ منها، ثم هبطتَ إلى الأرضِ لأعمارِها والتوبةَ على فِعلتِكَ برغمِ من أن الله قد تابَ عليكَ، ولكنكَ كُنتَ تحمِلُ عُبِّئَ تلكَ الخطيئةَ ولم تغفِرَ لنفسكَ وظللتَ تشعرُ أنكَ تمتلئُ بالنقصِ والتقصيرِ.

كنتُ أنا ومن معي نُشاهدُ أفعالكَ على مَرَّ الزمانِ الذي كُنتَ فيهِ تُبدِعُ بِكُلّ ما سخرهُ الله لكَ وعرفتَ كيفيةَ استخدام عقلِكَ وبدأت بالتزاوجِ والتكاثُرِ، لقد أحببتُ عِلمكَ على هذهِ الأرض وَإِبْدَاعك وطاعاتكَ، ولكنني لم أُحِبّ بكَ اَلشَّرّ الذي قد صنعتهُ في نفسِكَ وبدأت بالقتلِ وسفكِ الدماءِ وَالتَّمَرُّد على رسالتكَ الحقيقيةِ.

عليكَ أَيُّهَا الإنسان أن تتعمقَ في ذاتِكَ وتنظُرَ إلى جوانِبِ النعمةِ التي وهبكَ الله إياها، وأن تبتعدَ عن شرورِ النفسِ والنظرِ بشكلٍ أكبر على ذاتكَ، كما قالَ أحدٌ من بني جنسكَ أتحسبُ أنكَ جُرمٌ صغيرٌ وقد انطوى فيكَ العالمُ الأكبر، وهنا أنهي كلماتي ورسالتي التي لا أعلم أن كنتَ قد قرأتها، وإن وصلتَ إلى هذهِ النهايةِ من الكلِماتِ أريدُ أن أقولَ لكَ، أنكَ قد جِئتَ من مُستقبلٍ بعيدٍ  يُعيدُ حاضِرهُ ماضيهِ، وفي نهايةِ الزمانِ سوفَ تفهمُ قولي لكَ وإنك كُنتَ هنا قبل موتٍ لكَ وأحيائِكَ من جديد.

كانت هذه الرسالةُ من دفترِ مُذكراتٍ وجدها أحدُ الرعاةِ بينما كانَ يرعى أغنامهُ في أحدِ الجبال، للوهلةِ الأولى لم يعلم الراعي ما الذي كُتِبَ في هذهِ المُذكرات فذهبَ بها إلى المُعلِمِ صاحِبِ العِلمِ الكافي آنذاك في قريتهِ، الذي بدورهِ قامَ بِقراءةِ السطورِ على الملأ، ولم يقرأ المُعلِمُ سوى بضعِ صفحاتٍ من هذهِ المُذكرات، وقال لأهالي القريةِ أنهُ سوفَ يُكمِلُ لهم عندما يستطيعُ فَكَّ اللغةِ وَفَهِمَ ما كُتِبَ، وذلكَ لأنهُ ليست كُلّ المُذكرات قد كُتِبَت باللغةِ القديمةِ التي يستطيعُ على البشرِ تحليلها بسرعةٍ وَفَهِمَهَا، بل كانت هناكَ كتاباتٌ بلغاتٍ كثيرةٍ لم يستطيعَ المُعلِمُ حلها بسرعةٍ.

يتبع. . . .