بسم الله الرحمن الرحيم.

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

هل التقنية عصية على الترجمة والتعريب! أم أن تطورها السريع جداً جعل جهود الترجمة والتعريب في الوطن العربي تتقادم ولا تواكب متطلبات العصر!

بدايةً لنسأل لماذا نترجم و نُعرّب ؟!

من البديهي جداً تاريخياً أن تنتقل العلوم من شعب إلى شعب عن طريق الترجمة، و من أبرز الإسهامات في نهضة الأمم هو ترجمةِ علوم من سبقوهم، كما فعل الأمويون و العباسيون من قبل و لنا في سيرةِ الخوازمي خيرُ مثال.

قد يرى البعض بأن التعريب و الترجمة غير مجديتين؛ فالمفردات المُعربة والمترجمة ليست بسلاسة الأصلية، فلماذا نُصر على الترجمة، لماذا لا نأخذ المصطلح كما هو بما أنه ابتكار أجنبي أساساً ربما لايلاقي مرادف عربي!

لا أؤيد هذا، فمعظم المصطلحات الأجنبية هي مفردات مُصرفة عن أفعال مثل "explorer, compiler, printer" و غيره.

و لقد نجحت ترجمة و تعريب كثير من المصطلحات و استعضنا بها عن مرادفاتها الاجنبية بعد ما ألفها الناس، مثلاً، الموتر == سيارة، الراديوا == إذاعة، تيلفون أو موبايل == جوال، بروسيسور == معالج، ابليكيشن = تطبيق وغيرها. و آلالاف المصطلحات المترجمة و المعربة لابتكارات غربية في أصلها مثلاً مكنسة، غسالة، مضخة، مكوك، تلفاز، قطار، طائرة، دبابة، رشاش، مسدس، كهرباء، مكيّف، هاتف و غيرها من المفردات التي لو أبقيناها على أصلها لما بقي شيء عربي نقوله في كلامنا إلا حروف الجر!

واقع الترجمة في عالمنا العربي؟! هل يرتقي لأن ينافس جهود الدول المتقدمة في مجال الترجمة؟!

إحدى الدراسات تُفيد أن مشاريع الترجمة عندنا جهود فردية لا تلقى الدعم الحكومي اللازم بينما يُخصص لها في الدول المتقدمة ميزانيات ضخمة، اليابان-على سبيل المثال-تترجم ثلاثين (30) مليون صفحة خلال عام واحد، وقد ترجمت السعودية كتابيْن وخمسمائة (502) خلال ستين (60) عامًا ! (١).

و مع تقدم التقنية فإن الأبحاث تسعى و بشدة لأتمتة الترجمة (تعمل ذاتياً دون تدخل بشري)، و لو نجحت هذه التقنية فذلك يعني أن لا حاجة لك بمعرفة اللغة الأجنبية لكن، هل سيكون ذلك أيضاً بالعربي! من واقع دراستي لمادة "معالجة اللغات الطبيعية" فإن معالجة اللغة العربية تتطلب معرفةً بقواعد اللغة و النحو، وللأسف فإن الأغلب إن لم يكن الجميع يجهل قواعد اللغة و نحوها؛ ذلك أن أغلب الجامعات تَعْمَدُ لاختيار الطلاب المتميزين في اللغة الإنجليزية على العربية؛ لتلافي مشكلة شُح المصادر العربية؛ فعوضاً عن أن يترجموا المواد العلمية، دفعوا بالطلبةِ جميعهم إلى تعلم اللغة الأجنبية؛ تهرباً من مسؤوليتهم في التعليم، فإن شَاقّ الطالب شيءٌ في المادة العلمية رموا باللائمةِ عليه لكونه لم يعرف الإنجليزية كفاية!

هل يستطيع الجميع تعلم لغة أجنبية!

لم أجد إجابة و اضحةً للسؤال ولكن توصلتُ لدراسةٍ في صحيفةِ التليغراف البريطانية تقول بأن تعلم اللغات تختلف سهولته و صعوبته من شخصٍ لآخر، تبعاً لتركيبةِ دماغه (٢)،

و هذا يقودني إلى دراسةٍ أُخرى تقول بأن هناك عدة أنواع من الذكاء و أحدهما الذكاء اللغوي والإنسان الذي يتميز بملكةٍ لغوية فإنها تؤهله أن يصبح خطيباً، مُترجماً أو مذيعاً ناجحاً، عدا عن كونها تُسهل عليه تعلم اللغات الأجنبية فإذنُه تلتقط المفردات بسرعة (سمْيّع).

و هناك نوع آخر من الذكاء و هو "المنطقي الحسابي"، وما يميز هذا النوع أن صاحبة يستطيع وبسرعة الحساب، العد ومعالجة المشاكل المنطقية و نحوه، وهذا ما يتميز به عادةً المُبرمجين والمهندسين وغيرهم (٣).

في جامعاتنا يجب عليك لكي تُكمل تعليمك في التخصصات العلمية أن تمتلك النوعين "الذكاء اللغوي و المنطقي" وهذا لا يُصادف أن يمتلكه إلا القلةِ من الناس، وبهذا فإن الجامعات تُقصي عدد كبير من الناس المؤهلين ليكونوا مبرمجين و مهندسين لعدم امتلاكهم ذكاءً لغوياً!

فهاهم طلابُنا من الثانويةِ وما دون في الاولمبيات العلمية يتوجون بالميداليات الذهبية والفضية والبرونزية سنوياً دون معرفةٍ عميقة بالانجليزية، وكُلُ زادهم كُتبٌ مترجمة وأستاذه وطنيون. وقد حثت اليونسكو و الدراسات إلى ذلك من قبل، أن الإبداع لا يتم إلا باللغة الأم (٤) (٥) .

و إني لأذكر عندما كنتُ في المدرسة، كان الكثير من زميلاتي يتفوقون علي في المواد العلمية لبديهيتهم المنطقية والحسابية السريعة وحينما أصبحنا في الجامعة تفوقتُ عليهم لبديهيتي اللغوية السريعة!

و في المرحلة الجامعية تعلمتُ من اللغة أكثر بكثير مما تعلمت من المادة العلمية وكنت أتقدم على نظيراتي في المقابلات الوظيفية لمهارتي اللغوية لا لسعةِ معرفتي العلمية! ولو صرفتُ الوقت الذي قضيتهُ في تعلمِ اللغة لطلب المعرفةِ في علوم الحاسب والبرمجة لكنتُ وكنت! الحمدُ لله على كلِ حال.

و إني لأسأل نفسي دوماً! كيف يستطيع المبرمجون اليابانيون والألمانيون وماعداهم من الأعاجم المتقدمون البرمجةُ دون الحاجة للإنجليزي!

و قد تذكرتُ حينها مرحلتي الثانوية و مادة "الحاسب الآلي" و "فيجوال بايسك" الذي استطعنا البرمجة به رغم أننا لا نستطيع التفرقة بين الضمائر التي تأتي مع ال"Is" عن ال"Are" ! و وجدتُ بأن اللغة البرمجية رُبما أساسها انجليزية ولكنها ليست من لغة البشر في شيء ولو كانت كذلك لفهمها الامريكان والانجليز والناطقين بالانجليزيةِ جمعاء.

حقيقةً لا يلزمك أن تعرف الانجليزيةَ بعمقٍ لتبرمج، فلسوف تتأقلم معها و تدرك مفاتيحها، فقط مارسها و عالجها منطقياً في ذهنك و شيئاً فشيئاً ستتعلم الأساسيات الضرورية للانجليزية مثل معرفة أخطاء الكود و مكانه و غيره، وكما تستطيع لعب السوني والتعامل مع DOS (الشاشة السوداء) فتستطيعُ حتماً البرمجة، و لكن لربما ستواجهك مشكلة توفر المصادر، لذلك نعود مجدداً إلى أهمية توفر مصادر باللغة العربية والتعررررريب.

لربما الانجليزية تُفيد في الابحاث المستقبلية و شهادات الماجستير و الدكتوراه .. الخ؛ أرى أن هذا اختيارياً فلسنا جميعنا نسعى للدراسات العليا.

ربما يقول أحدنا "لو علمونا أهلنا انجليزي من الصغر و تركوا العربية لما نكبر ما كُنّا اضطررنا إلى التعريب و غيره"!

هذا سيجعلنا أجانب وليس عرب.

أؤمن بأن للغة تأثيرٌ على سلوكياتنا وتصرفاتنا و ولاءُنا و غيره؛ فكما قال عمر بن الخطاب "تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُنْبِتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ"، قد قيلَ أن تعلم العرب في المدارس الأجنبية يُخرجُ لنا طبقةً لا تنتمي للعرب بل للغرب.

و أعلم أن تعلم اللغة الأجنبية جيد و لكن التعلم باللغة الأجنبية سيء؛ ولا يزيد في الانتاج العربي في شيء، فأي انتاج بغير العربي ليس عربياً.

و اذكرُ أن استاذةَ أختي في الجامعة طلبت من الطالبات كتابةِ مشاريعهم الرسومية و انتاجها بالعربي فرفضوا بحجة التطور! وما رأيته حقيقةً في محيطي مزري من انهزامية و نظرة دونية تجاه اللغة التي هي ثقافة و هوية و ذاكرة جمعية و انعكاس ثقافي للمجتمع و هي لغةِ أقدس كتابٍ على وجه الأرض "القرآن"!

وحينما يريدُ أي أجنبي التعرف على محتويات ثقافةِ هذا الشعب فإنه سيدُل عليهم من انتاجهم الثقافي الذي تمثله اللغة. اللغة هي البصمة التي تدلُ على صاحبها؛ فمن علومنا التي لا يستطيعُ الغرب انكار انتماءها لنا، تلك العلوم و الابتكارات بمسمياتها العربية "قُمرة، خوارزمية، الجبر، الكيمياء، اسطرلاب و غيره".

و قد قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعى - رحمه الله - فى كتاب " وحي القلم" :

"ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة ،ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها ،ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها ،فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً فى عملٍ واحدٍ :أما الأولُ : فحبْسُ لغتهم فى لغتِهِ سِجناً مؤبداً،

وأما الثاني : فالحكمُ على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً .وأما الثالثُ : فتقييدُ مستقبلهم فى الأغلالِ التى يصنعُها،فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ ".

أرى بأن التقنية ستُنصفُ الشعب العربي، فكما قال رئيس مايكروسوفت الدولية " التحول الرقمي سيساهم في زيادة قيام الأعمال المستقلة والحرة (٦)".

؛ فلا داعي يا أُختي وأخي للهلع من عدم اتقانك الأجنبية؛ فحينما تتعلم البرمجة لا حاجة لك حينها أن تمد يديك لشركة فلان و علان و تخوض اختبارات رباعية و خماسية و سداسية " على لجان امريكية بريطانية و عربية و هنديةكما فعلتُ أنا "ليروا إن كنتَ لغوياً حذقاً بالانجليزيةِ أم لا".

و أني لأحسد الشعوب المتقدمة على ما يتمتعون به من معرفةٍ مفتوحة و أشعرُ بالظلمِ حينما يقارنونا بهم، فالطريق لديهم ممهد و لدينا تحول بيننا و بينه السدود و العقبات و الحدود؛ مرجعها في الغالب "ظنٌ على غيرِ علم أن العربية لا تُلبي"، و كيف هذا وقد:

وسعت كتاب الله لفظاً و غايةً و لم تضق عن آيٍ به و عظاتِ.

فكيف أضيقُ اليوم عن وصف آلةٍ و تنسيقِ أسماءٍ لمخترعاتِ!

حافظ إبراهيم -رحمه الله-.

المصادر:

http://mlahjar.info/node/3221 http://www.alarabiya.net/ar... http://www.ahram.org.eg/New... http://almustaqbal.com/arti...