بين من يحرم ويحلل .. مررت بهذا الراي لابي حنيفه حول علم الكلام بعد أن خاض فيه.

ان لم اكن مخطئاً فهو مؤيد للكلام في ضل الفقه لا كعلم وحده.

قال الإمام: كنت رجلاً أُعطيت جدلاً في الكلام، فمضى دهر فيه أتردد وبه أخاصم وعنه أناضل، وكان أكثر أصحاب الخصومات والجدل بالبصرة، فدخلت البصرة نيفًا وعشرين مرة، منها ما أقيم سنة وأقل وأكثر وكنت قد نازعت طبقات الخوارج من الأباضية والصفرية وغيرهم، وطبقات الحشوية، وكنت أعد الكلام أفضل العلوم لارتباطه بأصول الدين ولكني راجعت نفسي بعد ما مضى ليّ فيه عمر وتدبرت، فقلت أن المتقدمين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لم يكن يفوتهم شيء مما ندركه نحن وكانوا عليه أقدر وبه أعرف وأعلم بحقائق الأمور، ثم لم ينتصبوا فيه مجادلين ولا منازعين ولم يخوضوا فيه بل أمسكوا عن ذلك ونهوا عنه أشد النهي ورأيت خوضهم في الشرائع وأبواب الفقه، وكلامهم فيه عليه تجالسوا وبه خصوا وكانوا يعلمون الناس ويدعونهم إلى التعلم وكانوا يطلقون الكلام والمنازعة فيه ويتناظرون عليه ويفتون فيما يستفتون، على ذلك مضى الصدر الأول من السابقين وتبعهم التابعون عليه، فلما ظهر لنا من أمورهم هذا الذي وصفنا تركنا المنازعة والمجادلة والخوض في الكلام ورجعنا إلى ما كان عليه السلف وأخذنا فيما كانوا عليه.

ومع ذلك فإني رأيت ممن ينتحل الكلام ويُجادل فيه قومًا ليس سيماهم سيماء المتقدمين ولا منهاجهم منهاج الصالحين، رأيتهم قاسية قلوبهم غليظة أفئدتهم لا يبالون مخالفة الكتاب والسنة والسلف الصالح ولم يكن لهم ورعٌ ولا تقي، فعلمت أنه لو كان في ذلك خير لتعاطاه السلف الصالح فهجرته ولله الحمد.


وفي رواية أخرى قال: "فلما مضى مدة من عمري تفكرت وقلت: السلف أعلم بالحقائق ولم ينتصبوا مجادلين، بل أمسكوا عنه وخاضوا في علم الشريعة، ورغبوا فيه وعلموا وتعلموا وتناظروا عليه، فتركت الكلام واشتغلت بالفقه، ورأيت المشتغلين بالكلام وليس سيماهم سيَم الصالحين قاسيةٌ قلوبهم غليظة أفئدتهم، لا يبالون بمخالفة الكتاب والسنة والسلف الصالح، ولو كان خيرا لاشتغل به السلف الصالحون ... " 3.