الله سبحانه وتعالى اسكن ادم عليه السلام في الجنة , ولم يطلب منه عبادة , ونهاه عن معصية واحدة , عن الاكل من الشجرة , (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35 ) البقرة ) , وحذره الله عاقبة المخالفة , اذا خالفت يا ادم , سأخرجك من الجنة الى حياة الشقاء , (فَقُلْنَا يَٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ (117) طه) , والله تعالى اذا وعد فلا يخلف الميعاد , سيخرجه من الجنة اذا اكل من الشجرة , ومن اصدق من الله قليلا , وفعلا , اخرج الله ادم من الجنة بعد ان عصى امر ربه واكل من الشجرة , (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (123) سورة طه)
وماذا بعد الهبوط الى سطح الارض ؟
اخي القارئ , يجب ان تعلم ان الله اخبر ادم ان العقاب سيكون على مرحلتين , بمعنى اخر , ان معصية ادم سيترتب عليها شيئان, الجزاء والعقاب الاول هو الخروج من الجنة , والجزاء والعقاب الثاني هو الشقاء , حياة الشقاء , (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) , ولم يخبره بالمكان الذي سيقضى فيه فترة العقاب والشقاء , فالشقاء هو الشقاء في أي مكان كان , سواء كان على سطح الارض او غيرها , وكذلك لم يخبره ان حياة الشقاء تلك ستنتهي بالموت , ومن معاني الشقاء الموت , واحيانا يكون الموت راحة من الشقاء والعذاب , والعجيب في الآيات السابقة , ان الانتقال من الجنة الى مكان الشقاء هو الهبوط , النزول من مكان عال الى الاسفل , المعصية نقلت ادم عليه السلام الى الاسفل , وكل معصية تهبط بالإنسان من اسفل الى اسفل , الى اسفل سافلين , ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) اليس الله بأحكم الحاكمين ( 8 ) التين )
اذن ,هبط ادم على سطح الارض , وبدأت حياة الشقاء له ولذريته من بعده , وعد الله الذي لا يخلف الميعاد , انها فترة العقوبة , يقضيها ادم وذريته , فترة يعاني فيها ابن ادم الشقاء والتعب والعناء والمكابدة , (لقد خلقنا الانسان في كبد ) سورة البلد) , حتى ان قوته تسلب منه حين يبلغ الكبر , وبعدها يأتيه الموت , تماما مثل تلك النبتة والزرعة التي تبدأ صغيرة ضعيفة , يسهل على الطفل نتفها , ثم تكبر وتخضر ويشتد سوقها , ثم تصفر وتيبس اوراقها , حتى وان لم يقتلعها احد , ستقتلع مع اضعف ريح تهب عليها , او تأكلها الإرضة حتى تصير ترابا , وما بعد المشيب والضعف الا الموت , وماذا بعد الموت ؟ اما ان يستمر الانسان في رحلة الهبوط الى الاسفل , الى الارض السابعة حيث نار جهنم , او يرتفع الى الاعلى , ويلحق بابيه ادم في الجنة العالية
اخي القارئ , اننا نعيش على سطح الارض حياة الشقاء والتعب والكد والمعاناة , فمن تحت ارجلنا في الارض السابعة تقع نار جهنم , ومن فوقنا فوق السماء السابعة تقع الجنة تحت عرش الرحمن , وامام الانسان فرصة العمر للصعود الى الاعلى , والعودة الى الجنة , واللحاق بابيه ادم , وركب الانبياء والشهداء والصالحين والصديقين , وذلك بالتوبة النصوح وترك المعاصي , واذا اصر الانسان على ارتكاب المعاصي واتباع الشهوات والشيطان , سيكون المصير الى الاسفل في نار جهنم , (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا (40) النبأ) , ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) العنكبوت) , ان الله استخلفنا على الارض , وجعلها حياة تعب وكد وشقاء تنتهي بالموت, لينظر كيف نعمل , ((ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون (14) يونس )
اخي القارئ : الله تعالى يحلف ويقسم , ان مصير الانسان هو الخسران , (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر) , والله تعالى لم يحدد اين يكون هذا الخسران , هل في الدنيا ام في الاخرة ؟ والخسران يعتبر من الشقاء , وسيستمر الانسان في الشقاء في الاخرة , الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بأداء الحقوق والصبر على الطاعات وقمع الشهوات , هؤلاء لن يخسروا , سيفوزون بعد موتهم بالجنة , وفي سورة التين التي ذكرناها سابقا , اقسم الله ان يعيد الانسان الى اسفل سافلين , في نار جهنم في الارض السابعة , واستثنى من ذلك الذين امنوا وعملوا الصالحات , فلهم اجر غير ممنون , في جنة عالية , لا تسمع فيها لاغية , هذا القسم والوعد والوعيد من الله يجب ان يحسب له الانسان الف حساب , اذا كان الله حذر ادم مجرد تحذير , انه سيخرجه من الجنة الى حياة الشقاء , وفعلا اخرجه من الجنة بعد عصيانه , فما بالك حين يقسم الله تعالى ان الانسان مصيره الخسران والهبوط الى اسفل سافلين , في نار سجين , اذا واصل العصيان , والقسم اشد من الوعد وادعى للتنفيذ
اخي القارئ , الله تعالى اعطى فرصة لادم وذريته بعد الهبوط الاول الى سطح الارض , اعطاهم فرصة العمر , للصعود الى الاعلى , و العودة الى الجنة , وذلك بالتوبة النصوح وترك المعاصي , لأن الهبوط الثاني الى اسفل سافلين , لا توجد بعده فرصة للرجوع , (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون) , انه الهبوط الاخير الذي لا عودة بعده , وعلى الانسان ان يحسب لذلك الف حساب , ويغتنم فرصة العمر , للصعود الى الاعلى , والرجوع الى الجنة , وقد تاب الله على ادم واجتباه , ( وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) , وعلى ذرية ادم ان يسلكوا مسلك ابيهم , بالتوبة والرجوع الى الله , والمثل يقول من شابه اباه ما ظلم , والله غفور رحيم يغفر الذنوب جميعا اذا رجع العبد اليه وتاب واناب , والاصرار على المعاصي والذنوب تبعد الانسان عن الله , (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) ) آل عمران)
اخي القارئ , ان الموت حق على الرقاب , فلن يخلد احد , ولن يدوم احد , والحساب قادم , (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)) الكهف ) , يومئذ يجمع الله الاولين والاخرين , تبرز الجحيم للناضرين , (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ (36) النازعات) , تظهر جهنم بعد ان تلقيها الارض حين تمتد , (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) الانشقاق ) , (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) الزلزلة) , وهل في داخل الارض اثقل من نار جهنم , و تصبح القشرة الارضية ممتدة مستوية , لا تجد فيها عوجا ولا امتا , وعنت الوجوه للحي القيوم , وقد خاب من حمل ظلما , هناك يكب الظالمون على وجوههم , ويتساقطون في هاوية جهنم , (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينه فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) القارعة) , اما اصحاب الجنة , وبعد ان يأخذ كل واحد منهم كتابه بيمينه . فلن ينتظروا طويلا لدخول الجنة , ففي الوقت الذي يكب فيه اصحاب النار على وجوههم , تكون الجنة قد ازلفت وقربت للمتقين , (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) الشعراء) , والمؤمنون واقفون على سطح الارض , انهم ينتظرون نهاية الرحلة الى ارض السعادة والخلود , مثل اولئك المسافرون , الذي يقفون فوق ارض المطار استعدادا لركوب الطائرة , تقترب الطائرة منهم , وتوضع السلالم امام ابواب الطائرة المفتوحة , ويصعد الركاب عبر سلم الطائرة , هناك يجدون مضيفين ومضيفات الطائرة واقفين على الابواب يرحبون بهم , فيدخل المسافرون عبر الباب الى داخل الطائرة , هناك يجد كل راكب مقعده المحجوز مسبقا , ويوم القيامة تقترب الجنة من سطح الارض , بعد ان كانت بعيدة جدا فوق السماء السابعة , تقترب و تلتصق بسطح الارض , وتشرق الارض بنور ربها , وتفتح ابواب الجنة الثمانية , ليجد كل مؤمن مقعده من الجنة , الذي تم حجزه له مسبقا , ويصبح سطح الارض جزءا من الجنة , يرثها عباد الله الصالحون , الم تسمع بالحديث النبوي المتفق عليه , عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي» , فالان ونحن في الحياة الدنيا , توجد اماكن مخصصة اصبحت جزءا من الجنة , ويوم القيامة يصبح سطح الارض كله جزءا من الجنة , (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) الزمر) , (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) الانبياء ) ,
وبعد , اخي القارئ , وقبل ان اودعك , لا تنس الدعاء , إنه طريقة سهلة وبسيطة للفوز بالجنة والنجاة من النار , الله هو الذي بيده الجنة والنار يقول لنا : ادعوني استجب لكم , علينا جميعا ان ندعو الله ان يدخلنا جنة الفردوس , ويصرف عنا عذاب جهنم , فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز , وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور , (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) الانعام ) , (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) الفرقان) , (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)ال عمران﴾ ، (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) البقرة) , ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) ﴾ال عمران )
التعليقات