أساليب النفاق في معركة احد
من الاية 161-171 آل عمران
حمل النبي غلا على الذين كانوا سببا في خسارة معركة احد -- منهم – أولا--الذين انسحبوا من خطوط حماية مؤخرة الجيش – ثانيا--المقاتلون الذين انصرفوا عن قتال المشركين الى جمع الغنائم – ثالثا --المنافقون الذين تولوا يوم الزحف يوم التقى الجمعان – رابعا-- المنافقون الذين بقوا في المدينة ولم يخرجوا للقتال – فتلك الأسباب جعلت عند النبي غلا لم يألفه أحدا من قبل -- فذكره الله برفقه وحنانه بالمؤمنين – قائلا -- لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك – لكن النبي لا يزل يستشيط غضبا على الذين كانوا سببا في خسارة المعركة -- فالغل هو حقد وضغينة باطنية لا يمكن لنبي ان حملها ومن حملها سيأتي بها يوم القيامة -- يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون -- وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يغَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ – يا محمد فرق كبير بين من اتبع رضوان الله في أوامره ونواهيه -- وبين من باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير – أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ – فالذين كانوا سببا في خسارة المعركة أو الذين التزموا بوصاياها -- هم ليس على درجة واحده عند الله -- بل هم درجات -- هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ – لقد من الله على المؤمنين --أي له فضل على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من قريتهم ومن عشيرتهم ومن مجتمعهم يتلوا عليهم آيات ربهم ليزكيهم من رجس الشيطان ويعلمهم الكتاب والحكمة للتميًّز بين الحق والباطل وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين -- لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يغَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {161} أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{162} هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ{163} لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ{164}
وضع الله مقارنه بين خسارة قريش في معركة بدر وبين المؤمنين الذين خسروا معركة احد – كأنه يقول لهم -- لما خسرت قريش المعركة لم تيأس ولم تتوانى عن قتالكم مرة أخرى – أما انتم فقد أصابكم الإحباط --أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها -- وقلتم من أين جاءتنا هذه الفاجعة – أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا - قل لهم يا محمد - من عند أنفسكم ان الله على كل شيء قدير-- فإذا كنتم تسالون عن سبب الخسارة فانتم سببها وبسببكم قدرت عليكم -- قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – فما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنون – بمعنى ليعلم المؤمنون ان ما أصابكم يوم التقى الجمعان بإذن لله ولم يكن غافلا عن خسارتكم -- وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{165} وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ{166}
أكد الله للمؤمنين ان خسارتهم في معركة احد بعلمه وبإذنه وبقدرته وبإرادته -- وتأكيدا لهم على علمه الوسع بخسارتهم – انتقل الى الجانب الأخر لفضح أسرار المنافقين الذين كانوا يخفون سرا من وراء قولهم -- لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ -- فالأسباب الحقيقية التي جعلتهم يتخلفون عن معركة احد -- هو ليس عدم معرفتهم بالقتال أو الدفاع—بل هو الكفر الذي هم فيه اقرب الى قلوبهم من الإيمان --هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ – فما يقولونه بأفواههم --لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ -- ليس هو ما في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون -- يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ-- فليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل لله لنصرة دينكم أو ادفعوا – أي ادفعوا خطر الأعداء عن مدينتكم -- قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم -- أي بمعنى لو كنا نعرف القتال وجدارته أو الدفاع وأساليبه لاتبعناكم – ففي أعذارهم الكاذبة -- هم للكفر اقرب منه للإيمان -- ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون - وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ
وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ{167}
لم يكتفي المنافقون بأعذارهم الكاذبة بعدم معرفتهم للقتال -- بل اخذوا يثبطون ضعاف النفس للقعود عن الجهاد في سبيل الله -- مما تثبط الكثير منهم -- أما البعض الآخر فقد خرج للمعركة رافضا لدعوى المنافقين - فالقي حذفهم قتلى مع الجند -- فاخذ القاعدون عن القتال يلقون الملامة على الذين قتلوا – قائلين -- الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا – قل لهم يا محمد -- فادرؤوا عن أنفسكم الموت ان كنتم صادقين -- قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ –قيم المنافقون قتلى معركة احد على أنهم موتى فلا جدوى من قتالهم وموتهم -- لأنهم خسروا المعركة وخسروا أنفسهم -- فمات ذكرهم كسائر الموتى -- فالطعن في القتلى أسلوب المنافقين – فرد الله عليهم -- قائلا -- لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون –-- وهنا قول الله أحياء –لمرادفة ادعى المنافقين أموات – وللتأكيد على الحياة -- قال -- يرزقون – ولكن أحياء ليس كحياتنا المتعارف عليها-- فمن مات لا يعود الى الحياة إلا في يوم القيامة – بمعنى كأنهم أحياء يقاتلون في سبيل لله – يرزقون -- لا تعني رزق الطعام والشراب إنما رزق اجر القتال دون انقطاع فهذا الأجر التراكمي يجعلهم في أعلى مراتب الفردوس -- وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ – ويوم القيامة سوف يفرح الأحياء (الذين قتلوا) بما آتاهم الله من فضله --فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ – فهذا الفضل بمثابة استبشار للذين لم يلحقوا بهم من خلفهم -- أي الذين لم يقتلوا في سبيل لله -- وهنا رغب الله في الجهاد في سبيله -- إلا خوف عليهم ولا هم يحزنون -- وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ -- يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{168} وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ{171}