معركة احد بين النصر والهزيمة - 2

من الاية 151 – 160 آل عمران

استمر التنزيل بالتعليق على أحداث معركة احد – فقبل بدا المعركة طمئن الله الذين امنوا بأنه سيلقي في قلوب الذين كفروا الرعب وهذه بشرى مفادها بان هزيمة قريش باتت أكيدة -- فالرعب احد أسباب الهزيمة لأنه نابع من الشرك بالله -- مما يجعل المشركين في خوف من غضب الله من جهة --ومن جهة أخرى لا يملكون سلطانا أو دليلا عقائديا ذو قيمة يشدهم الى بذل الغالي والنفيس من اجله -- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً –فهزيمتهم أكيدية في نهاية المطاف وان حققوا نصرا في معركة احد -- وفي الآخرة مأواهم النار وبأس مثوى الظالمين -- وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ – بداية المعركة صدق الله وعده بالنصر لأن الجميع كان ملتزم بوصاياها – حتى رأوا بأعينهم ما كانوا يحبون حيث برزت بشائر النصر بعملية حس الكفار من أمامهم –تحسون -- جاءت من الحوس كمن يحس التراب بمحواسة أو مكنسة –– وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ – ولكن سرعنما فشلت ألمجموعه المكلفة بحماية المقاتلين من الجانب الأخر بعد نزاعهم على نهاية المعركة وانتقالهم الى جمع الغنائم -- مما احدث عصيان وتمرد على وصايا المعركة -- حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ --فانقسم الجند المكلف بالحماية الى قسمين -- قسم يريد الدنيا تاركا المعركة وهم الى جمع الغنائم –والقسم الأخر-- يريد الآخرة بقي في مكانه حسب وصايا المعركة – أما المقاتلين انقسموا أيضا الى قسمين – قسم استمر بمطاردة المشركين وقتالهم – والقسم الأخر انصراف عن ملاحقتهم الى جمع الغنائم -- فانقلب النصر الى هزيمة بعد انصراف الجند عن الهدف الحقيقي من الجهاد في سبيل لله -- ثم صرفكم عنهم ليبتليكم – ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين -- وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ{151} وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ{152}

اذ تصعدون أي الهزيمة تدفع بكم الى الهرب صعودا باتجاه الأرض المرتفعة للخلاص من قبضة العدو ولا تلون على احد - أي لا احد ينتبه على أحد - فبعد انهيار الجند -- ما عاد يلقون اهتماما لمن يناديهم حتى لو كان الرسول-- إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ -- يدعوكم في أخراكم—أي أواخر الجند قبل الصعود الى المرتفعات -- اخاراكم أواخر المنهزمين بالعودة الى القتال –وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ --لكن لا احد يستجيب لا احد – فأثابكم غم بغم لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من نصر وما أصبتكم من هزيمة والله خبير بما تعملون --إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ –استقر الجيش بعد الهزيمة بعيدا عن ارض المعركة وهناك انزل الله من بعد الغم والخوف أمنة -- أي إحساس بالأمان فاخذ النعاس يغشي طائفة منهم – وهي الطائفة التي أسلمت أمرها لله ورضت بكل ما قسمه لها -- ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً –

أما الطائفة الثانية – همتهم أنفسهم الى الظن بالله غير الحق أشبه بظن الجاهلية قبل ألإسلام -- وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ — مستفهمين هل لنا من الأمر من شيء –قل-- لهم يا محمد الأمر كله لله --هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ – ولكن هذه ليس هي حقيقة ما يستفهمون -- لأنهم يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك – وقصدهم الحقيقي هو -- لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا – قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا -- قل لهم يا محمد -- لو كنتم في المدينة أو في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم – فالمؤمن لا يختلف عليه شيء بالنسبة للتمحيص والابتلاء ما في الصدور سواء ان كان في المدينة أو في ساحة المعركة -- وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور --- قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ

إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{153} ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{154}

بعد خسارة معركة احد - ظهرت شريحة من المنافقين تباين نفاقها في العديد من المواقف منها -- الموقف الأول -- ان الذين تركوا المعركة يوم التقى الجمعان إنما ستزلهم الشيطان -- حيث أملى احد المنافقين على أتباعه شبح الموت في المعركة فاقنع ضعاف النفوس منهم على تركها – فتركوها فاكتسبوا آثاما -- لقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم – إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ -- الموقف الثاني – منافقي المدينة الذين لم يخرجوا مع رسول الله الى المعركة حيث اخذوا يلقون الملامة على الذين ماتوا وقتلوا – قائلين -- لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ -- حذر الله المؤمنين منهم –قائلا- ولا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض من اجل الرزق أو الغزو لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا –معتبرين نصيحتهم فوق علم لله – على أساس من أطاعهم نجاة من الموت أو القتل -- رد الله عليهم -- قائلا -- ليجعل الله الموت حسرة في قلوبهم والله يحي ويموت والله بما تعملون بصير –يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ{155} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{156}

للموت في سبيل لله والقتل مغفرة ورحمة خيرا مما يجمع المنافقون من أراء وأفكار شيطانية لزعزعة الذين امنوا --- وفي تدبير أخر خيرا مما يجمعون للدنيا– وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ - وفي النهاية الموتى والقتلى لالى ربهم يحشرون – وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ -- استشاط النبي غضبا من أفعال وأقول المنافقين المتولين يوم الزحف ومن الذين قالوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا – فقال الله له -- فبرحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك – فأعفوا عنهم واستغفر لهم وتعلم الدروس والعبر من خسارة المعركة وخضع الجميع للمشورة وبتعد عن الاستبداد في الرأي فإذا عزمت بعد المشورة فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين – فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ -- واعلم يا محمد -- ان ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده – وعلى الله فليتوكل -- إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ

وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ{157} وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ{158} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{159} إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ{160}