حرص فريق تطوير لغة الأسس ( https://alusus.org/ar/index... ) على دعم اللغة العربية في كتابة النصوص البرمجية. وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى ذا أبعاد رمزية فقط، إلا أن هناك من الأسباب ما يجعل الأمر مهمًا للمجتمع العربي وليس مجرد خطوة رمزية.

تولدت قناعة لدى معظم الناس أن البرمجة لا تحتاج للتعريب، وأن تعريب البرمجة ليس له فائدة عملية بل وربما يكون له سلبيات وأن الحرص على البرمجة بالإنجليزية أولى. وجهة النظر هذه نابعة من تشبيه الناس البرمجة بالرياضيات. في الرياضيات على سبيل المثال لا فرق لو كتبت معادلة رياضية باستخدام متغيرات س و ص و ع أو باستخدام x و y و z ففي كل الأحوال هذه مجرد رموز لا أكثر، ويعتقد كثير من الناس أن البرمجة مشابهة، فهي مجرد رموز ومعادلات. لكن هذا الاعتقاد خاطئ عندما يتعلق الأمر بالبرمجة لأن البرامج أكبر بكثير من المعادلات الرياضية، ووضوح هذه البرامج ويُسر فهمها جزء لا يتجزأ من جودة هذه البرامج. من المبادئ الأساسية التي يعلمها المبرمجون المحترفون أن البرنامج الجيد هو البرنامج الذي يشرح نفسه، أي البرنامج الذي لا يحتاج لملئه بالملاحظات كي يفهمه القارئ، وإنما تكون مسميات عناصره لوحدها كافية لفهم عمل البرنامج. لكن، كيف يمكنك اختيار مسميات جيدة لعناصر برنامجك إن كنت لا تجيد اللغة الإنجليزية أساسًا؟ أو كيف يمكنك فهم البرامج المكتوبة بالإنجليزية إن كنت لا تفهم اللغة الإنجليزية وكان البرنامج يفتقر لأي ملاحظات توضيحية على اعتبار أن البرنامج يشرح نفسه؟

هذا الواقع جعل الإلمام باللغة الإنجليزية شرطًا أوليا لتعلم البرمجة، ولهذا الارتباط نتيجتان سلبيتان في عالمنا العربي:

أولًا، حصر البرمجة في فئة أقل من الناس، فبدل أن يكون شرط دخول صناعة البرمجيات هو موهبتك في استيعاب منطق البرمجة كما هو الحال في الدول الناطقة بالإنجليزية، صار شرط دخول الصناعة أن تكون موهوبا في استيعاب منطق البرمجة وتكون أيضًا قادرًا على تعلم لغة ثانية، وهي اللغة الإنجليزية. قد لا يستوعب بعض الناس هذه المشكلة، لكن بعض الرياضيات ستوضح الصورة. لنفترض أن نسبة القادرين على فهم منطق البرمجة 10% من البشر، ولنفترض أن نسبة القادرين على تعلم لغة ثانية 20% من البشر. بهذه الفرضيات يمكن استنتاج أن احتمالية الحصول على مبرمج جيد في دولة إنجليزية اللسان كالولايات المتحدة هو 10%، أي أنك يمكنك أن تخرج مبرمجا ناجحا من بين كل 10 أشخاص، أما في دولة عربية فإن النسبة تنخفض إلى 10% × 20%، أي 2%، أي مبرمج ناجح من بين كل 50 شخص. وحتى لو قلت أن نسبة القادرين على تعلم لغة ثانية ليست 20% وإنما 50% (وهي نسبة أكبر بكثير من الواقع) فالنتيجة ستكون 5% بدل 2%، أي 1 من كل عشرين شخصا في الدول العربية، مقابل 1 لكل عشرة أشخاص في دولة إنجليزية.

هذه ليست كل المشكلة، فحتى لو افترضت أن كل إنسان قادر على تعلم لغة ثانية بمستوى جيد تبقى هناك مشكلة الوقت المطلوب لتعلم لغة ثانية. فتعلم اللغة ليس أمرا يتم بن ليلة وضحاها وإنما يستغرق سنوات. فبينما يستطيع المتحدث بالإنجليزية البدء بتعلم البرمجة في سن صغيرة مثل 10 سنوات، يحتاج الطالب في البلدان العربية للبدء أولًا بتعلم اللغة الإنجليزية قبل التعمق في تعلم البرمجة. نعم، يستطيع الحصول على كتب تشرح البرمجة باللغة العربية، لكن فهم الأمثلة المكتوبة بالإنجليزية سيستغرق وقتًا أطول لمن لا يجيد اللغة الإنجليزية لأنه سيحتاج لترجمة ما يقرأ قبل فهمه، وبالتالي سيستغرق وقتًا أطول لفهم نفس الأمثلة التي سيستوعبها المتحدث بالإنجليزية في وقت أقل.

ليس مصادفة أن تجد البلدان العربية متأخرة في مجال البرمجة عن غيرها، رغم مبادرات المليون مبرمج عربي التي أطلقتها عدة دول عربية. فأنت تطلق مبادرات تستثني مقدمًا النسبة الأكبر من المجتمع. ونحن في فريق تطوير لغة الأسس نحرص على إيجاد حل لهذه المشكلة عبر تمكين المواطن العربي من كتابة البرامج بلغته العربية، على الأقل في طور التعلم في المدارس عبر تمكينه من بدء مسيرته التعليمية في صناعة البرمجيات دون ربطها باللغة الإنجليزية كشرط مسبق، فيستطيع البدء بتعلم البرمجة في سن مبكرة وبكفاءة أعلى.

المعارضون لتعريب البرمجة لا يقف الأمر عندهم على عدم جدوى البرمجة بالعربية، وإنما يتعداه إلى سلبية الأمر، وهم ليسوا مخطئين تماما في هذا الأمر، فأحد سلبيات البرمجة بالعربية أنها تعزل المبرمج العربي عن العالم الخارجي، وهو الأمر الذي عمل فريق الأسس على تلافيه عبر إضافة ميزة للغة الأسس تتيح للمبرمج كتابة البرامج بالعربية أو الإنجليزية أو بكليهما في نفس البرنامج. هذه المرونة تسمح للمبرمج باستخدام اللغة العربية في كتابة برامجه دون الانعزال عن العالم الخارجي، فيستطيع التعامل من داخل برنامجه العربي مع مكتبات مكتوبة باللغة الإنجليزية، أو العكس.

ختاما، يمكن القول أن معارضي التعريب ينطلقون من انطباع خاطئ عن الواقع، فالإنسان عمومًا يرسم صورة حول الواقع مما يراه حوله، فإن كنت على سبيل المثال تعمل في شركة برمجية فبالتأكيد كل الذين حولك من مبرمجين يجيدون الإنجليزية، وهذا يعطيك انطباعًا بأن تعلم الإنجليزية ليس عائقًا، بينما أنت في بيئة خاضعة للسيطرة تبعد من لا يجيد الإنجليزية مسبقًا، ولست في بيئة مفتوحة كالسوق على سبيل المثال، وبالتالي انطباعك خاطئ ولا يمثل الواقع. قد يظن المبرمجون الحاليون أنهم المستهدف من فكرة تعريب البرمجة، بينما المستهدف في حقيقة الأمر الشرائح الأخرى من المجتمع المحرومة حاليًا من العمل في مجال البرمجة لسبب لا علاقة له بالقدرة على استيعاب منطق البرمجة، بالإضافة للناشئة الذين نسعى لتمكينهم من التعمق في البرمجة في عمر أبكر قبل إتقان الإنجليزية.

راجع مقالي السابق حول استخدام اللغة العربية في بعض المشاريع البرمجية: