الرواية .. الشخصيات في الزمان والمكان ..
عندما أكتب نصاً قصصياً أو روائياً ، وأصف مكاناً أو أصف شخص أو يكون هناك حوار يناقش قضية مهمة أنتبه لعمر الشخصية التي تتحدث ، وأنتبه لجنسه ، ذكر ، أنثى ، والثقافة التي ينتمي إليها .
ولأشرح هذه المسألة قليلاً ، لنفرض رجل في الخمسين يتحاور مع شاب في العشرين من العمر ، من المهم أن يكون فكر الشاب مواكب لعمره وزمانه وثقافته ، وكذلك الرجل الخمسيني ، يجب أن لا يخرج عن نظرة الرجل الكبير ذو الخبرة والوقار مثلاً ، وعلينا أن نغير الشخصيات قليلاً لنكتشف بعض الفروق ، لو كان رجل في الخمسين من العمر يحاور رجل في الأربعين ، من الطبيعي أن نوعية الحوار ستختلف لتتماشى مع الشخصيات ، فعمر الأربعين أكثر إتزان من عمر العشرين ، واندفاع الشاب ، أقوى من اندفاع الشيخ .
لنغير المشهد قليلاً ، ونجعل الشخصية تصف مكاناً لنفترض أنه مقهى ، تصفه ثلاث شخصيات ، شخصية شاب ، وشخص رجل كبير في السن ، وامرأة في الثلاثين من العمر ، فما الذي سيلفت انتباه الشاب وما الذي سيلفت انتباه الشيخ وما الذي سيثير المرأة الثلاثينية في المكان ، ولنضع حسب نظرتنا للشخصيات تصور لما ستنتبه له الشخصيات الثلاث ، فالشيخ الكبير سيعجبه الأثاث العتيق في المقهى الذي يعطيه ملامح الأصالة ، لكنه سيشتكي أن الكرسي غير مريح ، والمرأة الثلاثينية ، لن يعجبها الأثاث القديم ، لكنها ستبتسم للوردة الموجودة على الطاولة ، والشاب ربما لا يعجبه المكان برمته ولا جودة مأكولاته ، فهو يريد مكان يتسم بالحداثة ، لكن تستهويه فتاة المقهى .
من الضروري أن يكون هناك اختلافات في شخصيات الرواية ومن الضروري تناغم تصرفات الشخصيات مع الأحداث بما يتناسب معها ، فالشخصية القوية في الرواية لا تستسلم دون مقاومة ، ولا تتوقف عن المحاولة ، والشخصية الضعيفة لا تتمرد إلا في حالات نارة بدوافع معينة ، وشخصية الرجل تختلف عن شخصية المرأة ، والمرأة الكبير في السن تختلف عن الشابة في العشرين من العمر ، وقس على ذلك ، وهذا لا يعني أن تكون كل الشخصيات نمطية لا تخرج عن السياق ، لكننا يجب أن نحرص على أن تسير الشخصية حسب الصورة التي رسمناها للشخصية في الرواية ولا تخرج عنها إلا بقناعة او حدث يستطيع أن يؤثر في الشخصية بحيث تتبنى تصور جديد او تغير من سلوكها .
شخصيات الرواية هي الأسس التي تقوم عليها الرواية ، والخل في الشخصيات يولد الإرباك للكاتب ، ويشتت ذهن القارئ بحيث لا ينتبه لجماليات الرواية بل ينظر للخل ، فالتحول المفاجئ لشخصية مهمة في الرواية دون مبررات مقنعة يضعها الكاتب ، تجعل هناك فجوة بين واقع الرواية وشخصياتها ، وتجعل القارئ يتوقع أن يتجه الكاتب للفنتازيا في كل الاحداث ، وهذا الامر لا يحدث إلى في روايات الكوميديا او الفنتازيا ذاتها ، لكننا لا نستطيع ان نقلب الشخصيات رأساً على عقب في الروايات الاجتماعية أو الروايات التي تحاكي التاريخ دون أسباب أو احداث مؤثرة ، تكون مبرر مقنع لتحول الشخصية من قناعة لقناعة أخرة أو من تصرف متوقع لتصرف متهور أو شاذ عن السياق .