بلاد العرب الشمالية (الأنباط)
كانوا يعملون بالتجارة وكانت لهم قوة سياسية لفصلهم بين الروم وفارس، ولحمايتهم الروم من "غارات البدو" أقدم دول الشمال هي دولة الأنباط في تونس من البحر الاحمر الى نهر الفرات التي نشأت حوالي سنة ٥٠٠ ق.م، وأُطلق عليها بلاد العرب الصخرية تيمنا بعاصمتهم البتراء -بترة- وهي ترجمة يونانية للكلمة العبرية سلع ويقابلها الرقيم، وكان لها مدخل واحد-كعادة مساكن القبائل العربية حيث يسكنون وادٍ تحيط به الجبال من كل مكان ما عدا مكان واحد يعد المدخل-، ولهم علاقة قوية بعرب الجنوب -منطقتهم بها ماء ويتزود فيها عرب الجنوب بما يحتاجون أثناء رحلاتهم التجارية. اول ذكر لهم ٣١٢ ق.م عند تصديهم لهجمات انتيجونس الاول، وعام ٨٥ ق.م اصبح ملكهم الحارث سيدا على بلاد الشام واتسع ملكهم في عهد الحارث الرابع (٩ ق.م-٤٠ م)، وتعاونوا مع الرومان ضد عرب الجنوب في عهد عبيدة وساعدوهم في حرب الاسكندرية، واصبحت ولاية رومانية في ١٠٦ م مما اثر سلبا على الامبراطورية الرومانية. استعملوا الحروف الارامية واللغة الارامية، وتحول الخط الارامي الى الخط المستعمل الان في القرن الثالث الميلادي، مثل نقش نمارة في حوران لقبر ملك يسمى امرؤ القيس، وكان بها معبد يشبه الكعبة به اصنام اشهرها ذو الشرى.
تدمر (بلميرا)
واحة خصبة، شرق دمشق، فصلت بين امبراطوريتين روما وبارثيا، وكانت تاخذ أهميتها من الوقوف موقف الحياد بينهم فيمكنها ذلك من نقل بضاعة كلا الامبراطوريتين، ولم يبنها الجن كما قال العرب، واقدم ذكر لها ايام تجلات بلسر الاول (١١٠٠ ق.م)، واول ذكر لها في المراجع الرومانية ٤١ ق.م بعد محاولة فاشلة للاستيلاء عليها، واقدم نقش وجد في تدمر يرجع ل٩ ق.م مكتوب بالارامية، وانتقلت التجارة لايديهم بعد سقرط البطراء، فكانوا يفرضون الضرائب ويؤمنون القوافل من غارات البارثيين والبدو، ورئيس التجار عُد سيد المدينة، وكان عصر ازدهارها من ١٣٠ الى ٢٧٠ م، حيث زارها هادريان واطلق عليها لقب "بلمير"ا، بعد هزيمة الرومان في الحروب البارثنية طارد ملك تدمر زعيم أذينة "أدويناوس" وطارد ملك الفرس حتى اسوار عاصمته طفشون، ثم عُين امبراطورًا على جنود الشرق الرومان ثم قُتل وتولت بعده زوجته ذينوبيا "زينب والزباء" التي حققت انتصارات عظيمة بفضل قائدا جيشها زبدا وزباي، واستولوا على مصر، ولكن ارسلت الامبراطورية الرومانية جيشًا أسقطت به مدينة تدمر.
كانت الحضارة التدمرية مزيج من السورية واليونانية والإيرانية ولكنهم كانوا عربًا والدليل على ذلك أسماءهم وخلطهم الكلمات العربية في كتاباتهم الآرامية وأسماء أعلامهم العربية، التي تشبه العدنانية أكثر من الحميرية، وتكلموا الآرامية الغربية واستعملوا المصطلحات اليونانية، والخط تطور للخط الآرامي، والشهور بابلية بدأت من 312 ق.م، وديانتهم شبيهة بديانة أهل شمال سوريا والقبائل العربية في الصحراء الشرقية مثل اله "شمش" والقمر "عجلي بل" و"اللات" و"بعل شمين" و"شيعا القوم
تاريخ الحيرة:
تجمعت مجموعة من القبائل العربية في البحرين، وهددت حدود فارس حتى أعطتهم الدولة الساسانية الايرانية شبه استقلال ليدافعوا عنها من غارات البدو، وليساعدوها في صراعها مع روما، وعلى الأغلب أنهم من العرب الشماليين لأن لغتهم تشبه العدنانية ولا تمد للحميرية بصلة، وأسماءهم كذلك والعادات والدين.
مدينة الحيرة: على نهر الفرات بالقرب من أنقاض بابل، مشتقة من اللفظ السرياني "حرتا" ومعناه الحصن، وأزدهرت في عهد دولة المناذرة آل نصر اللخميين، سكانها وفقًا لابن الكلبي:
1-تنوخ: العرب المختلف في اصلهم، على الاغلب عدنانيون
2-العباد: السكان الأصليون، سبب التسمية قد يرجع لعبادتهم لله على المذهب المسيحي النسطوري، عملوا بالصناعة والتجارة
3-الأحلاف: مهاجرون عرب أرتبطوا مع 2 و1 بحلف
التاريخ الميثولوجي (من الملك 1-5) من أصل 25 وفقًا للمؤرخين العرب
1- مالك بن فهم الأزدي: الأول حكم 20 سنة ومات على يد ابنه أو أحد خاصته.
2- عمرو بن فهم
3- جذيمة الأبرش أو الأبرص أو الوضاح: صاحب قصة الزباء ملكة تدمر، كان متكبرًا ولكن له قصته التي حولت مسرى حياته ص111، وقصة الزباء لا تمد لذينوبيا بشيئ، ولكنها قصة طريفة جميلة جدًا، وابن اخته عمرو بن عدي ملك بعده في قصة الزباء
أشهر ملوك الحيرة:
1-امرؤ القيس بن عمرو بن عدي 288-328 م: هو الذي وجد له مقبرة عليها حجر من البازلت منقوش عليه بالخط النبطي باللغة العربية الشمالية يقول فيه أنه هزم "أسد" و"نزار" و "نجران" و"معد" والظاهر أنه مات في طريقه إلى حوران.
2- النعمان الأول ابن أمرئ القيس 400-418 م: بنى الخورنق والسدير بمساعدة المهندس البيزنطي سنمار وبعد بناءه قتله إما لأنه لم يصنع أفضل ما استطاع أو لأسباب أخرى خرافية، وجاء المثل "جزاءه جزاء سنمار"، ثم أنتقل لحياة التنسك والرهبنة لتأمله في ما حوله وإدراكه أن الدنيا فانية -حمزة الأصفهاني وشعر من عدي بن زيد يخاطب النعمان بن المنذر- وكان في عهده أول أسقف مسيحي في الحيرة 410 م
3-المنذر الأول بن النعمان 418-462: نصر بهرام جور ملك فارس في معركته مع الكهنة ومع الروم لإضطهاده المسيحيين.
4-المنذر الثاني 505-554: عاصر قباذ ملك فارس والحارث بن أبي شمر الغساني، والحارث بن عمرو الكندي وفي تاريخه نقول:
أ- كان حكم المنذر زاهرًا، ولكن إمتداد نفوذ مملكة كندة وتقرب ملكها الحارث من قباذ واعتناقه مذهب مزدك الذي رفض المنذر إعتناقه جعل الفرس تساعده فغزا الحيرة وطرد المنذر منها
ب-مزدك: رجل فارسي كان مذهبه شيوعي لخصه في الجزء الثاني من الشاهنامة ص 119، ملخصًا أن طريق النجاح يمنعه خمس " الغيرة والحقد والغضب والحرص والفقر" ومنبعهم المال والنساء، ولنتخلص منهم يجب أن نجعل المال والنساء مباحان للجميع، وساعده إتباع قباذ لهذا المذهب والشعب كذلك، وقتله ابن قباذ أنوشروان وقتل كل أتباعه وطاردهم، ونتيجة لذلك طرد الحارث الكندي وأعاد المنذر إلى الحيرة.
ت- ثم قامت حرب بين المنذر والروم بتحريض من كسرى بلغ فيها أنطاكية فاستعان جستنيان بالحارث الغساني لصد تيار المنذر
ج-بدأت الحرب بين المنذر والحارث الغساني على أرض استراتا strata، وفي الحرب أٌسر ابن للحارث وقدمه قربانًا للعزى، ويقول البعض فعل ذلك ب400 مسيحي، وأنتهت بمعركة "يوم حليمة" التي أنتصر فيها الحارث بالحيلة على المنذر ومنها المثل ((وما يوم حليمة بسر))، والسبب أن ابنة الحارث حليمة قيل أنها عطرت بيدها مائة من الجنود.
د- قصة الغريين ويوم البؤس ويوم النعيم
5- عمرو بن هند 554-569: أمه هند بنت الحارث الكندي عمة امرئ القيس الشاعر، أصبحت الحيرة في عهده مركزًا للأدب يزوره الشعراء الكبار مثل الحارث بن حلزة وعمرو بن كلثوم، وله قصة غروره عندما حاول جعل ليلى أم الشاعر عمرو بن كلثوم تخدم أمه فقتله عمرو، والأخرى قصة يوم أوراة الثاني والتي نتج عنها مثل ((إن الشقي افد البراجم)) ص120
6- النعمان الثالث:580-602: آخر ملوك الحيرة اللخميين، من ابناء المنذر الثالث، قتل عدي بن زيد العبادي بعد تحريض أخوته، ثم حبسه كسرى حتى مات 602 م، صاحب يوم طفحة -بينه وبين بني اليربوع على الرادفة الوزارة- ويوم السلان -نهب بنو عامر لقافلة تجارية من كسرى فحاول خداعهم فلفت عليه-
7- إياس بن قبيصة الطائي 602-611: أستعمله كسرى بعد النعمان الثالث، وطلب منه أن يأتيه بأملاك النعمان ولكن أمينه هانئ بن مسعود رفض وقرر الحرب، ووزع السلاح على جنوده وأنتصر العرب على الفرس بقيادة النعمان منذرًا بزوال السيطرة الفارسية، وتولى بعده اثنان حتى فتحها خالد بن الوليد 13 هـ
حضارة دولة الحيرة:
استمرت زهاء أربع قرون وربع، وسيطرت على غرب الفرات حتى منتصف الخليج الفارسي والقبائل المجاورة، وبلاطها يشبه بلاط المدائن، والوزير يمسى الرديف، والجيش قوتين نظامية : فرقتين الشهباء -فارسية- ودوسر -عربية، والغير نظامية: القبائل الموالية -الرهائن والصنائع والرضائع-.
تكلموا العربية الشمالية واستعملوا السريانية في الكتابة مثل الأنباط والتدامرة، وكان لها الفضل في إحتضان الشعراء وإضافة ألفاظ فارسية للعربية، والنصف الأول من ملوكهم وثني والثاني نصراني، وللعباد فضل كبير في تعليم العرب الوثنيين القراءة والكتابة، كما شيدوا الكثير في العمارة مثل الخورنق والسدير والمسالح.
هذه المقالات ملخص لكتاب عصر ما قبل الاسلام من اصدار دار هنداوي للنشر.