وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥

الشر المستطير والداء الوبيل الذي أدى إلى تهالك الناس في حمئة الشرك والضلال المبين هو " التجسيم والتجسيد " في عبادة الإله الحق سبحانه وتعالى , وكل الشعوب والأمم الغابرة عبر التاريخ البشري المديد كانت تعرف ... بل وتؤمن بالله جل جلاله وتباركت أسمائه .. وتعلم أنه في السماء في علاء العظمة والكبرياء والقدرة العظيمة , وأنه تعالى الخالق لكل شيء , وهذا الإيمان " بالربوبية " مرتكز في فطرة الخلق أجمعين وقد أكده وزاده تأكيداً الميثاق الذي أخذه رب العزة جل جلاله وتباركت أسمائه على كل ذرية آدم عندما خُلق آدم عليه السلام ......

. لكن يأتيهم الشيطان ليوقهم في شراكه و حمئة الشرك الوبيلة , من خلال فكرة التجسيد الإلهي ... من خلال وسائط تصلهم وتشفع لهم عند الذات الإلهية المتفرد في العلو والعظمة والكبرياء , وهكذا يبدأ الشيطان اللعين دعوته للناس من بداية الإيمان والإقرار , ثم يستدرجهم بخطوات محسوبة ممنهجة عنده خطوة تتبعها آخرى , حتى تأتي الخطوات أكلها وثمرتها المرجوة , ويُخرج الناس من نور الفطرة والإيمان إلى ظلمات الجحود والكفران , والشرك الماحق لكل الحسنات , يخاطب الناس خطاب الداعي للإيمان , يلقي في روعهم أن الذات الإلهية المقدسة مشغولة بنفسها عن البشر لأنهم بالنسبة لها ولعظمتها وقدسيتها مخلوقات ضئيلة وضيعة , وأنهم لابد لهم من شفعاء ووسطاء لهم المكانة الرفيعة عند الله تبارك وتعالى , ليقوموا بقضاء حوائج الخلق , من خلال التفويض الممنوح لهم والقدرة الموهوبة لهم من الذات الإلهية المشغولة بنفسها و لا وقت لديها للنظر في شئون البشر ...... وهكذا ـ ومن خلال هذا العرض المختصر الشديد لخطوات الشيطان ـ يلقي الشيطان بذرته الشيطانية في تربة الجهل والتقليد الأعمى وانحطاط التصور عند البشر , ثم يسقيها بماء الأساطير والخرفات التي يفتريها ويبثها في تصورات البشر ومصادرهم المعرفية , ولأنها نبتة شيطانية فهي تخرج مرة وسيطاً وسبباً في شكل عجل , ومرة تخرجه في شكل بقرة , وآخرى في شكل حجراً مصوراً " صنماً " أو حجر غير متشكل " وثناً" ,و أخرى في شكل قبر ومقام لولي أو حتى لحمار !! حتى عندما دعاهم الشيطان لعبادة الشمس " كوسيط " قوى ونافع وقريب المنزلة من الذات الإلهية ,أو الملائكة الذين جعلوهم بنات للذات الإلهية , أو الكواكب والنجوم في السماء , صّور لهم صوراً لها لتكون في معابدهم , في الأرض !! ولابد أن تكون في الأرض ...!! وهكذا........ حتى لا يرفع الإنسان بصره للسماء أبداً , ولا يتجه إليها أبداً في سؤال حاجاته ودفع بلائه !! رغم اعترافهم وإقرارهم بان هؤلاء جميعاً من خلق الإله الحق العظيم المتفرد في علاه ـ وهى عندهم ذات الهيه مقدسة مشغولة بنفسها عن البشرـ وقد لا تكون مبالغةً وشططاً , اذا قلت إن الشيطان يتخذُ منهجاً في غواية البشر ذو نسق وترتيب وخطوات مدروسة تتناسب مع الزمان والمكان وطبيعة الناس فيهما , بل ويضع منهجاً للناس مضاهي لمنهج الله تبارك وتعالى , بشكل معكوس ومنكوس ومظلم ومسموم !!

فما من أمرٍ لله تبارك وتعالى بداية من التوحيد وإخلاص الدين لله تبارك وتعالى حتى إماطة الأذى عن الطريق , إلا وجعل الشيطان اللعين له أمر مضاهياً ولكن بشكل معكوس ومنكوس ومظلم ومسموم , كما أن أوامر الله تبارك وتعالى صدق وعدل واستقامة ونور شفاء